مؤمن الهباء
شهادة - خطوة للوراء أفضل!!
لو أرادت الحكومة أن تصنع فينا معروفاً فعليها أن تستجيب لصوت العقل الذي صدر مؤخراً من قسم التشريع بمجلس الدولة لرفض التعديلات التي اقترحتها وزارة العدل علي المادتين 277 و289 من قانون الإجراءات الجنائية فيما عُرف بمشروع قانون "جواز الاستغناء عن سماع الشهود بالمحاكم".. وهي التعديلات التي أثارت مخاوف واسعة من المساس بضمانات المحاكمة العادلة.
وكانت صحيفة "الشروق" قد نقلت في عددها الصادر أمس الأول الأحد عن مصادر قضائية بقسم التشريع بمجلس الدولة وجود اتجاه داخل القسم برئاسة المستشار مجدي العجاتي نائب رئيس مجلس الدولة لرفض التعديلات بسبب شبهة عدم الدستورية بها.. ولو استجابت الحكومة لذلك فسوف تغلق باباً واسعاً للفتن.
وقد ذكرت مصادر قسم التشريع بمجلس الدولة أن التعديلات المقترحة علي قانون الإجراءات الجنائية تخالف كفالة حق المتهمين ومحاميهم في الدفاع الواردة في المادة 198 من الدستور التي تنص في فقرتها الأولي علي أن "المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون وكفالة حق الدفاع ويمارسها المحامي مستقلاً".
وتقضي التعديلات التي أدخلتها وزارة العدل بأن تصبح المحكمة وحدها صاحبة الحق في استدعاء الشهود أو الاستغناء عن شهادتهم.. وسلب هذا الحق من المتهم ومحاميه.. ويصبح الاستغناء عن سماع الشهود مسألة جوازية ترجع للقاضي وحده.. بعد أن كان سماع الشهود حقاً للقاضي وللخصوم.
وقد بررت وزارة العدل تلك التعديلات بأن "الممارسة العملية بالمحاكم أثبتت سوء نية بعض المتهمين أو المحامين المدافعين عنهم في استغلال بعض الثغرات القانونية بشأن سماع الشهود لتعطيل سير الدعوي وإطالة أمد المحاكمات.
لكن الحوارات التي دارت خلال الأسابيع الماضية أكدت أن هذه التعديلات تخل بمبدأ المحاكمة العادلة المنصوص عليها في القانون.. كما تخالف ما نص عليه قانون الإجراءات الجنائية ذاته من تولي المحكمة التحقيق القضائي كاملاً في الدعوي المعروضة عليها.. باعتبار أن سماع الشهود شهود النفي أو شهو الإثبات هو جزء لا يتجزأ من أي تحقيق قضائي تجريه المحاكم.
وفضلاً عن ذلك فإن من حق المتهم أن يستمع إلي مناقشة شهود الإثبات الذين قدمتهم النيابة العامة.. وأن يناقش هؤلاء الشهود ويواجههم بما يراه من نقص أو غموض.. هذا حق تفرضه العدالة.. لأن مناقشة الشهود تكشف لمحامي الدفاع أموراً فنية قد يستعين بها لإثبات كذبهم أو استنباط ما يؤدي إلي براءة موكله.. وأي انتقاص أو حجب لحق المتهم أو محاميه يعد إخلالاً بحق الإنسان في محاكمة عادلة أمام قاضيه الطبيعي.
أما فيما يتعلق بضمان عدم إطالة أمد التقاضي.. وهو مطلب شعبي قبل أن يكون حكومياً.. فمن الممكن تداركه بسن نصوص قاطعة في شأن إعلان الشهود وإلزامهم بالحضور متي طلب منهم ذلك.. وتوقيع جزاءات رادعة لمن يتخلف منهم بغير مبرر مشروع.. وضرورة أن يعاد النظر في نظام جلسات المحاكمات الجنائية بحيث تكون بشكل يومي علي مدي الأسبوع والشهر.. وليس لبضعة أيام في الأسبوع أو الشهر.. وبالطبع سوف يستلزم ذلك تعيين المزيد من القضاة وتأهيلهم حتي يتسني الفصل في ملايين القضايا المتراكمة بسبب العجز الشديد في عدد القضاة.
المهم.. أن يأتي الحل بعيداً عن المساس بضمانات العدالة.. وخير للحكومة أن تتخذ خطوة للوراء وتتراجع من أن تتمادي في الخطأ.