صلاح الحفناوى
أكذوبة الدعم .. وخطايا الكهرباء
خبراؤنا الاقتصاديون انتهوا إلي أن مصر لن تتعافي اقتصادياً إلا بإلغاء الدعم.. أو ترشيده. بحيث يقتصر علي محدودي الدخل.. رغم أننا لا نعرف حتي الآن من هو المقصود بمحدود الدخل.. باستثناء التعريف "الكهربائي" الذي يعتبر "طشت" الغسيل هو الدليل المؤكد علي أن صاحب "الطشت" محدود الدخل.. فيما يعتبر الغسالة الكهربائية مظهراً من مظاهر الثراء. يستوجب الحرمان من حنان الدعم.
وبما أن الدعم أصبح مشكلتنا الوحيدة التي لولاها لكنا الآن ننافس الصين في الإنتاج وأمريكا في الهيمنة والقوة.. فليسمح لنا خبراؤنا الاقتصاديون أن نذكرهم ببعض المغالطات التي لا تخلو منها أحاديثهم عن الدعم.. وأولها أن الدعم كان السبب وراء تدني الأجور في مصر.. فعلي امتداد سنوات تقترب من الأربعة عقود. كان أي حديث عن انخفاض الحدود الدنيا والوسطي للأجور يصطدم بعقبة أن الدعم يستهلك جانباً كبيراً من ميزانية الدولة. وأنه يمثل زيادة غير مباشرة في الدخل الشهري للعاملين. وبالتالي أي حديث عن تدني الأجور في وجود الدعم لا يستحق الالتفات.
وهكذا وجدنا أنفسنا في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين نتحدث عن زيادة الحد الأدني للأجور. ليصبح 1200 جنيه. دون حساب الضرائب والمستقطعات.. أي حوالي 140 دولاراً بالسعر الرسمي وبمتوسط يومي يقل كثيراً عن 5 دولارات مطلوب الإنفاق منها علي تعليم الأبناء وعلاجهم وكسوتهم والإنفاق علي الدروس الخصوصية. والكتب الخارجية ودفع فواتير الماء والكهرباء والإيجارات وزيارة شرم الشيخ لدعم السياحة!!
وثاني المغالطات هي أن الحديث عن الدعم في أي قطاع من القطاعات لا يتناول تكلفة الفساد الإداري. والبطالة المقنعة والعمالة الزائدة والمكافآت وأجور المستشارين في أي من الجهات التي تقدم خدمة مدعومة كالماء والكهرباء.. فكل هذا الفساد يتم تحميله علي عناصر التكلفة التي يحسب علي أساسها معدل الزيادة السنوية في الأسعار.. والمستهلك الملتزم المسكين عليه أن يدفع تكلفة ما يستهلك وتكلفة كل هذا الفساد والهدر. الناتج عن السرقات والتوصيلات غير المشروعة.
وزارة الكهرباء التي أصبحت رائدة في فنون الاستفزاز.. نموذج صارخ لكل ذلك.. ففي ذروة أزمة الدولار وانخفاض الجنيه وارتفاع أسعار معظم السلع بين 10 و30 بالمائة. وحالة الغضب والإحباط التي سيطرت علي قطاعات كبيرة من الشعب.. خرج علينا وزير الكهرباء ليزف إلينا بشري الزيادة الثالثة في أسعار الكهرباء خلال عامين.. رافعاً شعار "لا مساس" بمحدود الدخل الذي لا يستهلك أكثر من 50 كيلووات في الشهر.. أي أقل من استهلاك "طشت الغسيل"!!!