نصف الدنيا
خلود أبو حمص
«لا تلمنى فى هواها» لن تنتصر أمة تفكر بلغة غيرها
هل تصدقون أن العديد من العائلات الأمريكية يتكلم أولادهم اللغة العربية وأنهم لا يفقهون اللغه الإنجليزية، وأن هؤلاء الآباء يفخرون بأن أطفالهم لا يتكلمون لغتهم الأم؟

هل تصدقون أن المناهج التعليمية فى إيطاليا تدرس باللغة العربية؟

هل تصدقون الخبر؟ بالطبع مستحيل تصديق الخبر، فهذه أمّم تعتز بلغتها الوطنية وتعتبر أن الاستثمار بلغتهم هو استثمار فى المواطن والأجيال القادمة وتمسكها بثوابتها. فاللغة الوطنية تقارن لديهم بالعملة الوطنية وتعتبر أهم محفز لفكر المواطنة والسيادة والاستقلال.

يا جماعة الخير، لماذا أصبح حديثنا مسخا بدون هوية لماذا « أوكي « و« ثانكيو» و« سوري «، «هاو آر يو « ! ماذا حصل لنا؟ معظمنا يعجز أن يشكل جملة عربية مفيدة بدون إدخال كلمات إفرنجية.

والكثير منا يتعمد إدخال كلمات إنجليزية أو فرنسية فى حديثهم مهما ضعف إلمامهم بهذه اللغات، فقط لعقدة نقص فيهم مبنية على قناعتهم بأن تطعيم كـلامهم بالفرنسى أو الإنجليزى يدل على مستوى اجتماعى أعلى، ويصرون على طريقة كـلام تثير الاشمئزاز..

لنلغى أعياد التحرر الوطنى فى كل الدول العربية لأننا ما زلنا تحت أسوأ وأخطر أنواع الاحتلال ؛ ألا وهو الاحتلال الفكرى. نحن من تخلى عن جمالية لغتنا وفضلنا لغات أخرى. ونسينا قانون ‹اللغة للمنتصر›، ولن تنتصر أمة تفكر بلغة غيرها،

فلماذا يتم تدريس المناهج الجامعية فى معظم الدول العربية باللغة الإنجليزية؟ فلننظر إلى إسرائيل، والذين أدركوا قانون ‹اللغة للمنتصر› وكيف غيروا جميع المناهج العلمية الجامعية باللغة العبرية وهى لغة اندثرت، ولكنهم علموا أن قوة الابتكار والتطور معتمدة على الفهم اللغوى والتى فهمها جبران خليل جبران منذ أكثر من مئة عام وهو يتنبأ بواقعنا اللغوى وكيفية ارتباطه العضوى بتقدم وتطور الأمة فيقول» اللغة مظهر من مظاهر الابتكار فى مجموع الأمة أو ذاتها العامة، فإذا هجعت قوة الابتكار، توقفت اللغة عن مسيرها، وفى الوقوف التقهقر، وفى التقهقر الموت والاندثار»

أولادنا عرب، فلماذا عليهم أن يتكلموا بلغة أجنبية؟ جرب أن تتكلم الإنجليزية فى إيطاليا أو فرنسا أو تركيا؟ لن تجد من يفهمك، عليك أن تتحدث بلغتهم لا أكثر. حتى فى المجالات المهنية والتوظيفية، المهم الإلمام باللغة الإنجليزية ونضرب بعرض الحائط الأساس لنجاح أى مهنى فى أى مجال ؛ وهو قوةا الشخصية والهوية الذاتية المنبية على إلمام واحترام للغته الأم.

ما يحصل فى بيوتنا العربية مهزلة إن كنّا نفكر بربيع حقيقى لعالمنا العربى ومستقبل أولادنا. فلنستذكر جميعا، ولا أستثنى نفسى بأنه فى كل مرة نستخدم فيها كلمة أجنبية للتعبير والكـلام مع أطفالنا نحن نقوم بطمس لغتنا وهويتنا الذاتية، وأهم من ذلك نقوم بطمس الهوية الذاتية لأطفالنا فى المستقبل. نحن نقوم بتربية جيل مهزوز لا هوية له، لا طعم ولا لون. انظروا حولكم وستجدون أن الأشخاص الناجحين فى أعمالهم فى شتى المجالات هم أشخاص ذوو شخصية قوية، أشخاص لديهم ملكة الحديث والقدرة على التعبير واعتزاز بلغتهم وهويتهم الذاتية.

وأستذكر قصيدةا كان يرددها أبي›رحمه اللـه› وأنا طفلة، وهو يستعد للذهاب إلى العمل وظلت محفورة فى ذهنى. وهى قصيدة عن عشق اللغة العربية للشاعر اللبنانى حليم دموس وهو مسيحى والتى تؤكد أن الدم العربى مسلما كان أو مسيحيا يلتقى فى نبضه للغة العربية.

وكتب الشاعر أجمل ما قرأت عن الحب الأزلى للغة العربية

لا تلمنى فى هواها ليس يرضينى سواها

لست وحدى افتداها كلنا اليوم فداها

نزلت فى كل نفس وتمشت فى دماها

وبها الأم تغنت. وبها الوالد فاها

وبها الفن تجلى وبها العلم تباهى

كلما مر زمان زادها مجدا وجاها

لغة الأجداد هذى ورفع اللـه لواها

فأعيدوا يا بنيها نهضة تحيى رجاها

لم يمت شعب تفانى فى هواها واصطفاها
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف