نصف الدنيا
فاطمة ناعوت
على ناصية شارعنا القديم
حينما يأتي المساءْ

ويغيبُ القمرُ

سأتسلَّلُ

دون أن يراني أحدْ

لأبحثَ عن دفترِ أشعارِكْ

بين ركامِ مكتبتِكَ القديمة:

….

يا قُرةَ عيني

عودي

قبل أن ينكسرَ عودي.



احتشدْ

وهاتِ ريشتَكْ

وباليته ألوانْ

وورقة بيضاء

وتعالَ

نرسمُ على صفحةِ الحُلمْ

بيتَنا الصغيرْ.



هذا

شارعُنا القديمْ

سنسرقُ من نوافذِه

بعضَ الضوءْ

لنُضيءَ رُدهةَ بيتِنا

ومن أبوابِ بناياتِه الكثيرة

نختلِسُ مِقبضًا

لنُغلِقَ بابَنا

حتى نأمَنَ

تلصُّصَ الغرباءْ

على أسرارِنا:

قُصاصاتُ القصائدْ

مراسلاتُ شطائرِ الخبزْ

دفاترُ الشِّعرِ الُمسطَّرة

طياراتُ الورقْ

ألبومُ الفراشاتِ

مجلدتُ البطّ

والألغازْ.



من بيتِ طفولتِكَ

سأنتزعُ الشرفةَ الصغيرة

التي كان أشقاؤك

يتسلّقونَ سُورَها

ليأتونا ببعضِ الماءْ

إن ظَمِئنا

فنرتوي

ونركضُ إلى الإسكافيّ الطيبْ

حيثُ رقعةُ شطرنجْ

وطفولةٌ تندهشُ

وتتعلّمْ.



ومن بيتِ طفولتي

سأنزعُ نافذةَ غرفتي الشرقية

التي

علّمتِ الشمسَ متى تُشرقُ

على صوتِ جرسِ المدرسة

وعلّمتِ القمرَ

متي يُغمضُ عينيه

حين تسترقُ أنتَ

النظرَ إلى الدور الثالثْ

حيث أقفُ في النافذة

أنتظرْ.



سأُثبِّتُ نافذتي القديمة

في غرفتِنا

وألصِقُ شُرفتَكَ

حيثُ الحديقةُ التي تواجه

الواجهةَ الجنوبية

لبيتِنا

الذي يهربُ من المكانْ

بعدما

هرَبَ منه الزمانْ.



حينما يأتي المساءْ

ويغيبُ القمرُ

سأتسلَّلُ

دون أن يراني أحدْ

لأبحثَ عن دفترِ أشعارِكْ

بين ركامِ مكتبتِكَ القديمة:

….

يا قُرةَ عيني

عودي

قبل أن ينكسرَ عودي.



سوف أكبُرُ

وسوف تكبُرُ

وسوف يكبرُ أطفالُنا

في بيوتٍ كثيرة

دون أن يجمعَ شَتاتَهم

بيتُنا الذي

تبخّر في الهواءْ

قبلَ أن نرسمَه

حين شُغِلنا

ولم نحتشدْ

حتى نُثَبِّتَه

فوق الرمالْ.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف