التحرير
عمرو حسنى
ياسين ولدى
هذا المقال عن شاب خارق يدعى ياسين محمد. خارق بمقتضى المحاضر الرسمية التى منحته مواصفات جسدية وهمية، لا يمتلكها، جعلته يعتدى على مجموعة لا بأس بها من الجنود والضباط، وهو الأمر الذى لا يمكن الاقتناع به إلا لمن يراه بعين يكذب أصحابها علينا ويتورطون فى مبالغاتهم الكاذبة غير المنطقية ثم يصدقون أنفسهم. من جهة أخرى هو شاب خارق بالفعل بمعايير أخلاقية حقيقية يمتلك منها الكثير. أهمها الثبات على المبدأ والانتصار للمظلوم حتى لو لم يملك الفرد غير صوته دفاعًا عنه.

بداية لم أكن أريد استخدام اسم مسرحية للراحل فايز حلاوة كعنوان لهذا المقال لأسباب خاصة تتعلق بعدم إعجابى بأعماله بمعايير فنية خالصة، وهذه نقطة شكلية لا تنتقص من إعجابى بزوجته وبطلة مسرحياته الفنانة الكبيرة الراحلة تحية كاريوكا. لكنى للحق لم أجد أفضل من ذلك العنوان للكتابة عن ياسين محمد، الذى أشعر بالفعل بعد أن قابلته بأنه ياسين ولدى، لما يمثله من حالة صادقة مفعمة بالإنسانية تعترى كل أبناء جيله الرائع.

لذا دعونى أتحدث عنه فخورًا فى السطور التالية. ياسين متهم، كالعادة، بمحاولة "قلب" و"كبدة" و"مخ" نظام الحكم بعد أن وضعهم فى ساندويتش ضخم بحجم عائلى، قام بتناوله متلذذًا وهو يمسك به بيد واحدة بينما كان يطيح بالأخرى بثلاثة ضباط من المباحث والأمن الوطنى وجنودهم الغلابة وهو يتظاهر بمفرده! وقتها اختلط الأمر على رجال الأمن، نظرًا لضخامة ياسين كعملاق مرعب، فبدا فى أعينهم كأنه يقود مظاهرة قوامها خمسة أفراد! لماذا خمسة على وجه التحديد؟ كما شهد الضباط الذين اعتدى عليهم ذلك الوحش الكاسر عندما كان وقتها فى عامه التاسع عشر! السبب يكمن بالطبع فى أن هذا هو الحد الأدنى للتجمهر لكى يتم اعتبار المواطن قانونيًّا يقود أو يشترك فى مظاهرة غير مصرح بها.

هل كانت مصادفة لا توجد بها أى شبهة لتعمد التلفيق؟ فى الحقيقة ربما تكتشف إجابة ذلك السؤال عندما تعرف أن ياسين شاب رقيق لا يزيد حجمه المادى على نصف شخص، رغم أن حجمه الإنسانى يفوق عشرات البلطجية الذين ينثرهم الأمن لحماية مظاهرات التأييد غير المصرح بها. هذا بالطبع إذا تم قياس حجمه بمعايير الإخلاص لمبادئ ثورة يناير ولزملائه الذين تظاهر وحده من أجل المطالبة بإخلاء سبيلهم بعد أن تم اعتقالهم احتياطيًّا بقانون مطعون فى دستوريته، ويتم تطبيقه بطريقة انتقائية.

ياسين بشهادة الضباط، التى تناقضت فى محاضر رسمية مع شهادة رئيس مباحث قسم قصر النيل، حطم الممتلكات العامة، وضرب رجال الأمن، وعطل المرور، وهدد السلم العام لأنه رفع بمفرده لافتة صغيرة تطالب بالإفراج عن زملائه المعتقلين.

إسقاط حزمة التهم الملفقة سابقة التجهيز عن ياسين ورفاقه لا يمثل مطلبًا خاصًّا بقدر ما يمثل دعوة لإعمال العقل يجب أن ينظر لها بعين الاعتبار. هذا إذا كان لا يزال يهمنا كبلد استعادة المصداقية باحترامنا للعقل قبل احترامنا لحقوق الإنسان، وقبل يوم واحد على بدء تحقيقات قضية ريجينى المؤلمة فى إيطاليا. على الأقل لأن سلوكنا هذا تجاه "ياسين ولدنا" ربما يدعم تصريح السيد الرئيس لوسائل الإعلام الأجنبية بأن "ريجينى ولده". لأن من يهن عليه ولده يهن عليه أبناء الغير.

أرجوك دقق جيدًا فى الصورة المرفقة لتدرك الفارق الملحوظ فى الحجم بين عملاق من النوع المتوسط مثل ياسين، وعملاق آخر من النوع الضخم مثل علاء عبد الفتاح الذى يمكنه أن ينجح بسهولة فى تحطيم المدرعات وانتزاع الأسلحة الآلية المذخرة التى يحوزها الضباط والجنود، بل والإطاحة بالعشرات منهم بضربة يد واحدة. تأمل صورتهما معاً ولا تنخدع بأن عملقة ياسين الجسدية من النوع الذى لا يمكن أن يتضح إلا أمام جندى بلاستيكى بحجم دبدوب صغير يرقد إلى جواره على الفراش!



أقول هذا لأنها الحقيقة التى لا تخجله وأيضًا، وهذا هو الأهم، لأن عملقة ياسين الإنسانية هو وأبناء جيله هى السبب الحقيقى الذى يفزع البعض.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف