عباس الطرابيلى
هموم مصرية- القروض.. والأجيال القادمة
أعلم، ومعي كل المصريين، أن القروض هم بالليل وغم بالنهار.. ولكن ما باليد حيلة.. إذ أمام هذا العجز الهائل في الموازنة العامة للدولة، وأيضا في ميزان المدفوعات، لا سبيل أمامنا إلا الاقتراض.. من السوق المحلية.. ومن الأشقاء ثم الأصدقاء.. ولكن كل هذا لا يكفي!! ولا مال قارون يغطي الطلب..
والاقتراض الداخلي يعتمد علي شهادات الاستثمار وسندات الخزانة وكل وسائل الادخار من صناديق للمعاشات، إلي صناديق للتوفير.. إلي ما يقترضه بنك الاستثمار القومي.. وكلها- رغم ضخامة احتياطياتها.. لا يكفي.. وآخرها ما أعلنته وزارة المالية منذ أيام من طرح أذون وسندات خزانة قيمتها حوالي 90 مليار جنيه، وهي أغلب الظن لتغطية جزء من متطلبات الميزانية الجديدة للدولة..
<< أما الاقتراض الخارجي فهو الكارثة.. حتي ولو كانت فوائد بعضها تدور حول واحد بالمائة، كما في القرض الياباني لمحطة الكهرباء.. وقرض الصين للقطار السريع.
ذلك لأننا نلتزم بشيئين أولهما: سداد فوائد هذه القروض وهي تستنزف نسبة كبيرة من الموازنة العامة.. وثانيهما سداد نسبة أي قرض.. وهذه وتلك ما يطلق عليهما «خدمة الدين». وللأسف أصبح هذا بنداً ثابتاً في أي موازنة عامة. ويا ويله من يعجز عن سدادهما.. إذ ستتوقف أي مؤسسة مالية دولية أو إقليمية عن تقديم أي قروض للمتعثرين عن السداد.. وتلتزم الدولة بسدادهما.. حتي قبل أن توفر مستلزمات شراء القمح والزيت!!
<< ولكن ما يقلق هو أن تتجه الدولة إلي طلب المزيد من القروض الخارجية.. وهناك نسبة معروفة عالمياً هي نسبة هذه القروض إلي إجمالي الناتج القومي لهذه الدولة، أو تلك. والخطر أن تتجاوز أي دولة هذه النسبة..
والمشكلة هي إذا كنا نحل مشاكل حالية- عن طريق هذه القروض- وتوجيه هذه القروض لتغطية عجز الموازنة، أو للالتزام بدفع الرواتب والأجور.. أو في مشروعات لا تعطي عائداً يغطي- علي الأقل- فوائـد خدمة الدين، أي فوائده ثم الدفعات الدورية، هنا يكمن الخطر الحقيقي لأننا نحل مشاكل حالية.. ولا نفكر فيما نضيفه من أعباء علي الأجيال القادمة..
<< أي إذا كنا نريد أن نريح الجيل الحالي- من خلال هذه القروض- فإن علينا ألا نرهق الأجيال القادمة بسدادها!! وهذا هو البعد الاجتماعي المطلوب.. أي «توزيع الأعباء» علي الأجيال القادمة.. مع الجيل الحالي أيضاً حتي لا يلعنا كل القادمين من مصريين..
هنا يكون الأمثل أن نحسن استخدام هذه القروض، فيما يقام بها من مشروعات سريعة العائد.. كثيفة العمالة. أي من عائدها نسدد كل أعباء القرض نفسه.. حتي لا يتآكل أصل القرض.. في الأجور مثلاً!! ثم تكون هذه المشروعات نفسها فاتحة خير علي العاملين، أي توفر مزيداً من فرص العمل أما أن يتم توجيه القروض لشراء القمح والزيت واللحوم من الخارج فهذا هو الخطر. فما بالنا إذا تم توجيهها لسداد الأجور والبدلات والحوافز؟!
<< وربما نتساءل هنا: وأين الإجابة عن تساؤل الرئيس السيسي عندما قال للوزراء: قولوا للناس من أين تأتي الأموال التي تنفذ بها الدولة كل مشروعاتها.. خصوصاً ونحن نعاني من انهيار معدلات الإنتاج القومي، وانخفاض معدل عمل المصريين..
وأنا هنا مع قرار إيقاف القرض الصيني لمشروع القطار السريع.. لأن عائده لن يستطيع الوفاء بالسداد.. يعني هل نرمي ملايين هذا القرض في مشروع- رغم حاجتنا إليه- إلا أنه لن يعطي عائداً نسدد به لا فوائد هذا القرض.. ولا حتي أقساطه.. أقول ذلك لأن قرار إيقاف هذا القرض أراه صواباً.. حتي لا نحمل الأجيال القادمة أعباء قرض سوف يستفيدون منه، قطعاً.. ولكن المنطق يقول باختيار الوقت المناسب لأي مشروع.. حماية للأجيال القادمة.. حتي ولو كان هذا في مصلحة الجيل الحالي!!