مؤمن الهباء
شهادة -الوزير لا يريد أن يتكلم
وزير الري الجديد الدكتور محمد عبدالعاطي لا يريد أن يتكلم في موضوع سد النهضة الاثيوبي.. هو يري ان السد أصبح أمراً واقعاً وأن الدولة تتعامل حالياً مع الوضع القائم.. وهذا موضوع أمن قومي لا يجوز ان يتكلم فيه.. ولا حتي يعلق علي ما تنشره الصحف الأثيوبية عن السد والمفاوضات الدائرة بشأنه.. متصوراً ان أي كلام سيقوله في هذا الصدد قد يلحق الضرر بموقفنا التفاوضي.. ومن ثم فالأفضل ألا يتكلم في الموضوع ويركز جهده في البحث عن توفير موارد مائية بديلة أو مساعدة تكفي لسداد احتياجاتنا.
من أين نستقي المعلومات الصحيحة إذن يا سيادة الوزير؟!.. وهل إذا سكت أنت سوف تسكت الأطراف الأخري؟!.. لماذا يعرفون هم كل شيء ولا نعرف نحن شيئاً عن قضية هي بالنسبة لنا قضية حياة أو موت؟!.. وهل تتصور ان الموضوع ما دام أمن قومي فلن يتكلم الناس فيه ولن يهتموا به ويتركوا أمره؟!.. العكس هو الصحيح.. الشفافية مطلوبة بشدة في قضايا الأمن القومي لأنها تهم الشعب كله.. والشعب لم يعد قاصراً.. الشعب هو الذي سيدفع الثمن ويتحمل المسئولية.. هو صاحب القضية الأول.. وأبسط حقوقه ان يعرف ويتابع لحظة بلحظة وخطوة بخطوة.. الشعب لا ينتظر ان تثقوا فيه.. هو ا لذي يمنح الثقة.. وهو الذي يجب ان يكون قوة ضغط تساند موقف المفاوض المصري.
نحن في عالم بلا أسرار.. والاثيوبيون لا يحجبون سراً عن شعبهم.. بالعكس.. هم يتصرفون باعتبارهم أجراء عند هذا الشعب يرجعون إليه في كل صغيرة وكبيرة.. ويستنفرون عزيمته ويحافظون علي حماسه لمشروعه القومي التاريخي.. ويصورون له السد علي انه المستقبل الباهر الذي يحمل التنمية والرخاء.
لقد اتبعت معنا الحكومات السابقةسياسة "التنويم" لتغطي علي فشلها وعجزها وسذاجتها حتي أصبح السد أمراً واقعاً.. كانت تصريحات الوزير الأسبق محمود أبوزيد تؤكد انه لا مشاكل مع دول حوض النيل ولا تفكير في بناء سدود علي مجري النهر ولا خطر علي حصتنا المائية.. ثم ثبت ان كل ذلك ليس صحيحاً.. وأننا أمام مؤامرات وسدود ومخاطر حقيقية.. ومع ذلك لم يحاسب الدكتور محمود أبوزيد علي هذه التصريحات حتي الآن.. والأغلب أنه لن يحاسب.
ثم جاء وزراء الري من بعده يرددون نفس التصريحات الوردية المريحة للأعصاب.. بينما الأطراف الأخري تخطط وتنفذ وتتحرك علي المسرح الدولي تمهيداً لإعلان المفاجآت المدوية.. وعندما استيقظنا من سباتنا قيل لنا إن كل شيء قد اكتمل وأصبح أمراً واقعاً ولا حيلة لنا في تغييره.
كانت أثيوبيا تتلاعب بنا في المفاوضات.. وتماطل مماطلات مكشوفة.. بينما تصريحات وزير الري السابق د. حسام مغازي تطمئننا أن كل شيء تمام.. وأن أثيوبيا لن تقبل بأن تكون سبباً في إلحاق الضرر بنا.. والمفاوضات ناجحة 100%.. كان المطلوب دائماً تضليلنا وتخدير الوعي العام والتعتيم علي الحقيقة حتي نصل إلي أن السد صار أمراً واقعاً.. ويعفي الوزير نفسه. ويعفي حكومته. من أية مسئولية ما دامت المفاوضات تسير بشكل احترافي!!
وكان لابد ان يحاسب د. مغازي سياسياً علي الأقل عما أنجزت المفاوضات خلال العامين الماضيين.. فقد عقدت اجتماعات وجلسات لم تحقق شيئاً بينما عمليات بناء السد تسير علي قدم وساق.. وسوف يكتمل البناء العام القادم - 2017 - كما قالت الشركة المنفذة وتم التشكيك من جانبنا فيما قالت.
وكان لابد ان يحاسب د. مغازي عن المبالغات التي كان يصدرها قبل وأثناءوبعد كل اجتماع مع الاثيوبيين والسودانيين ليصور للشعب ان الأزمة انتهت.. وتخرج الصحف بمانشيتات مضللة لدغدغة مشاعر المواطنين.. ثم نكتشف في النهاية ان هذه التصريحات للاستهلاك المحلي فقط.. وأن الأزمة مازالت مستحكمة.
وبدلاً من ان يعترف الوزير لفشل يفاجئنا به "حركة بلدي" ويعلن اكتشاف خزان جوفي مائي.. وهو يعلم ان هذا الخزان معروف للكافة منذ عشرات السنين.. لكن أراد ان ينسب لنفسه إنجازاً صورياً.. ليقول ان هذا الخزان سيعوضنا عن نقص حصتنا المائية.. ويصرف الأنظار عن النيل وعن السد الكارثة.
الصمت ليس فضيلة يا سيادة الوزير.. ولن يعفيك من المسئولية.. وإنما الحقيقة هي التي ستكتب في تاريخك.. فالتزم بالحقيقة.