حصل فهمى على بكالوريوس التجارة، وعيّنه أبوه قبل أن يموت فى وزارة الزراعة التى كان يعمل بها. لم يجد فى الوظيفة نفسه فزهد فيها، لكنه نظر إلى أنداد له لا يجدون وظيفة فرضى بحاله. لم يكن يذهب إلى العمل إلا مرة واحدة فى الأسبوع. فقد قام هو وزملاؤه بتقسيم أيام الأسبوع فيما بينهم. يذهب الواحد منهم فى اليوم المخصص له ويوقع حضور زملائه. اليوم الذى كان يجمعهم هو يوم 26 من كل شهر: يوم قبض المرتبات، كان تعبير «قبض المرتبات» يعجب فهمى للغاية، وما أكثر ما تندر به وسط زملائه وهو يشرح لهم معنى «اللص الهارب» الذى ينطبق على الجنيه، وسعى طلابه للقبض عليه.
يقضى فهمى نهاره الذى يبدأ بعد عصر كل يوم فى التسكع فى السبيل، وأحياناً ما يهرب خارجه، لكنه كان أكثر إخوته ارتباطاً بأهل السبيل، وأشدهم اندماجاً معهم. يداعب كل من يلقاه. أحبه أهل الحى، شعروا أنه مختلف عن أخويه اللذين يسير أحدهما شارداً والآخر ناقداً.
أدمن بمرور الوقت تعاطى الحشيش. كان يقضى ساعة من الليل بعد عودته إلى المنزل فى لف السجائر، ثم يواصل باقى ساعات الليل فى التدخين، حتى يسقط رأسه -رغماً عنه- على السرير، ورغم أن قعدات الحشيش لا تحلو إلا مع جماعة، كان فهمى يقدس ارتكاب المعصية مع نفسه، كما يحلو له أن يقول.
- طارق: حرام!.. إنى أنذرك يا فهمى. الحشيش حرام.
- فهمى (ضاحكاً): لأنه يشل الدماغ.. الكلام أيضاً يشل الدماغ يا شيخ طارق.. كله سطل.. ثم ليس زماننا هذا يا طارق بزمن الحلال والحرام. من لديه الوقت للتفكير فى الحلال والحرام؟!
- الحلال بيّن والحرام بين!
- فهمى: المعصية متعة.. الفساق أمثالى يستمتعون بالمعصية.. وإلا ما فعلوا!
- طارق: لله الأمر من قبل ومن بعد.
يستمع مختار دائماً إلى طرف من المناقشات العقيمة بين طارق وفهمى، التى تنتهى فى الأغلب بأن يسب أحدهما الآخر، لكنه لا يشترك فيها. إنه دائماً يستعد للخروج. هذه المرة إلى المسمط. فقد أشرفت الساعة على الخامسة. وحان موعد الذهاب إلى عمله الثانى.
مسمط «عضمة» لصاحبه المعلم «عضمة» أحد المواقع المهمة فى السبيل. بوابة الدخول إليه. فى البدء كان المسمط مجرد «عربة يد» يبيع عليها «عضمة» سقط الحيوانات بعد «قليه». وهو ما اصطلح أهل السبيل على تسميته بـ«الحلويات»، وكانت تشكل طبق عشاء مفضل للبسطاء من أهل السبيل. وبمرور الوقت أخذت أعمال «عضمة» فى الاتساع وبدلاً من عربة اليد اشترى دكاناً صغيراً ثم الدكان الذى يليه وفتح الاثنين على بعضهما البعض. والآن يحتل بالإضافة لهما مساحة كبيرة من الفضاء المكانى أمامهما، تنتشر بها المقاعد والمناضد التى يصطف عليها الآكلون. وقد فتح الله على «عضمة» فتحاً مبيناً يوم أن عرف أبناء المجتمع البرجوازى الطريق إلى المسمط. بدت المسألة فى البداية كنوع من التفكه من جانب بعض الشباب الأثرياء. وفردٌ جر فرداً، ومجموعة جرت مجموعة حتى أصبح الشباب الثرى زبائن «عضمة» الحقيقيين.