مجلة روزاليوسف
ابراهيم خليل
الحصار غير المعلن على مصر
أكثر الاستنتاجات والمعلومات قربا إلى الواقع واقترابا منه فيما يخص حادث اختطاف الطائرة الذى جرى الأسبوع الماضى؛ هو استهداف السياحة المصرية، وما يمكن أن يصدر عنها من إيجابيات تعود على الاقتصاد المصرى، أو على الأقل أن يغطى دخانها على ما يقوم به الغرب والأمريكان من ضغوط وحصار غير معلن على مصر.

لعل المخططين من الأمريكان والغرب وبالطبع ليسوا هواة، بل محترفون يملكون معطيات عما يمكن أن تحققه السياحة والمشروعات القومية الكبرى من نتائج تعود على ضخ أموال فى الاقتصاد المصرى تترجم مشروعات تفك الحصار غير المعلن وأيضا ترفع المعاناة عن المصريين، فضربوا ضربتهم لإصابة السياحة وأيضا الاقتصاد المصري.
ولم يبعد كثيرا ارتفاع أسعار الدولار عن هذا الحصار غير المعلن، سواء بجمعه من السوق لتعطيشها ومن ثم ترتفع أسعاره حتى يتم ضخ دولارات جديدة لإحداث توازن فى أسعاره وتتوازن أسواق العملات تمهيدا للاستقرار.
لكن الأيدى الخفية تعاود نفس اللعبة ويرتفع مرة أخرى الدولار وهو ما ينعكس على أسعار السلع الأساسية بالارتفاع، خصوصا أن المصريين الآن يعتمدون كثيرا على السلع المستوردة.
والأكثر خبثا هو ما يتم الآن بالإيعاز للشركات الكبرى فى مصر بالانسحاب لسوء الأوضاع الاقتصادية.
وهذا ما تدرسه شركة مرسيدس للسيارات التى تشتكى من عدم استقرار سعر الدولار وأيضا تعدد أسعاره بالنسبة للبنك والسعر الحقيقى وأسعاره فى السوق السوداء، باعتبار أن تعدد الأسعار يعود عليها بمشاكل كبيرة فى تحديد أسعار مبيعاتها.
فى هذه الأجواء جرت حرب اقتصادية عنيفة ما بين رجل الأعمال نجيب ساويرس ومحافظ البنك المركزى، وتم استخدام الآلة الإعلامية التى قام بشرائها رجل الأعمال فى الدفاع عن وجهة نظره وتغليبها على وجهة نظر محافظ البنك المركزى الذى يمثل الدولة والإرادة الوطنية والمصلحة الاقتصادية.
الطرفة أن رجل الأعمال يريد شراء شركة استثمارية بأموال البنوك، والغريب أن الحكومة المصرية أو رئيس الحكومة تقف مكتوفة الأيدى بين الطرفين، وكأن هذا الأمر لا يهمها من قريب أو بعيد أو حتى بالعين المجردة، وما يجرى بين الطرفين، ولا تكتفى بالمشاهدة فقط وكأنه فيلم سينمائى فى إحدى دور السينما.
ولا نستبعد أن يكون ما جرى بعيدا عن الحصار الاقتصادى غير المعلن على مصر والمصريين.
الملاحظ أن هذه الأحداث تقابل من المسئولين باللا مبالاة والإهمال وعدم الإحساس بالمسئولية، وعدم تقدير العواقب، وكذلك عدم تقدير ما يترتب على كل ذلك من نتائج وحوادث يصل معظمها إلى دائرة الكوارث.
ومعاناة المجتمع من الإهمال واللا مبالاة معاناة شديدة، حيث قد لا نرى الإهمال ذاته، ولكن نرى نتائجه تهز المجتمع كله.
ومن تكرار ما يحدث أصبح الإهمال شيئا مكتسبا ينمو ويكبر وتتعدد حوادثه وبنفس الأسباب، ومن شدة الإهمال والتسيب واللا مبالاة افتقد الكثير من أفراد المجتمع ثقافة المسئولية وهى ثقافات عندما يتم افتقادها يصبح المجتمع كله فى خطر.
الأكثر خطورة، أنه من كثرة تفشى ظواهر الإهمال والتسيب واللا مبالاة، أن هناك مدافعين عن هذا الإهمال، وهو ما يؤدى إلى مزيد من وقوع الكوارث، وهؤلاء المتواطئون مع الإهمال واللا مبالاة وراءهم دافع هو الانهيار ومكلفون بهذا الدافع وأيضا مستفيدون من الانهيار، وهم فى أغلب الأحيان عملاء أو ممثلون لقوى الخراب وهم الأمريكان والغرب الذين يستغلون كل شاردة أو واردة لتشويه سمعة مصر، ومن ثم السعى الدءوب لإسقاطها كما جرى فى العراق وليبيا وسوريا.
فالتخطيط التآمري لا يتوقف، بل مستمر، ويجدد نفسه باستمرار طبقا للواقع الذى يعيشه.
فهذا المخطط هو كالحرباء تتلون بالبيئة التى تتعايش فيها، تتلون بلون الصحراء إذا كانت فى الصحراء، وتكون بلون الخضرة إذا كانت تعيش وسط المزارع.
الدولة المصرية بما تتضمنه من إدارة رسمية وسلطة سياسية وشعب لا بد أن تواجه هذا الحصار غير المعلن بالمعلومات الصحيحة المجردة والشفافية التامة وتوضيح الحقائق أولا بأول لإشراك الناس فى كل صغيرة وكبيرة بالمعلومات الصحيحة حماية للدولة المصرية والمجتمع ويكونوا على بينة تامة بما يجرى ضدهم ليكونوا على أتم استعداد للمواجهة والمساندة والتعبير بكل السبل عن وقوفهم أمام هذه المخططات والألاعيب والمؤامرات والحصار غير المعلن الذى وصل إلى حدود الضغط على عدد من الدول المحيطة بمصر حتى لا تقدم الاستثمارات أو القروض أو تفعيل الاتفاقيات التى جرت فى الفترات السابقة.
الأمريكان يتساءلون: من أين تأتى مصر بالأموال التى تقيم بها المشروعات القومية العملاقة؟!
على أساس أنهم كانوا يتوقعون فى مثل هذا الوقت من العام حدوث انهيار اقتصادى لمصر وإعلان إفلاسها، لكنهم الآن يعيشون فى حالة عدم التصديق خصوصا رجال الإدارة الأمريكية وعملاءهم فى مصر دائما على لسانهم سؤال واحد هو: من أين تأتى الإدارة المصرية بأموال لتمويل هذه المشروعات التى يتم إنجازها فى أوقات قياسية؟!
ومن هنا لا بد أن تقوم الحكومة وكل مؤسسات الدولة بتوضيح كل الحقائق أمام الناس.
فالوضع لم يعد يحتمل تأجيل الأجوبة لأن الهروب أو التهرب منها لا يعنى أنها غير موجودة وأن تراكمها لا يلغى أيا منها.
الناس لا يطلبون أجوبة فورية، وأكثر ما يطمحون إليه فى الظروف الراهنة هو معرفة الحقائق أولا بأول بما لا يخل بالمصلحة العليا للوطن.
أما إذا بقى كل شيء على ما هو عليه، فإن الناس ستدخل فى المجهول والعجز، وعندها لا الأسئلة تعود مطروحة ولا الأجوبة تعود مفيدة.
وعلى هذا الأساس لا بد من أن يكون الناس خصوصا المسئولين على قدر المسئولية والأحداث التى يمر بها الوطن والحصار غير المعلن من الغرب.
فالمنطقة المحيطة بنا أشبه بحقل براكين، ما إن يخمد واحد منها حتى ينفجر آخر، ومصر الواقعة فى قلب هذه المنطقة إما أنها تخشى الحمم المنبعثة من البراكين المجاورة، ولعل أكثر البراكين تحركا هو البركان الليبى وأيضا ما يجرى فى غزة، خصوصا أن الدول المحيطة بمصر لها أدوارها فى كل ما يجرى.
ولعل ما يدعو إلى الدهشة والحزن والأسى أنه فيما الزلازل والبراكين تتحرك من حولنا نجد البعض من رجال الأعمال والمتاجرين بقوت الشعب يستغلون كل هذه الظروف لتحقيق مصالحهم الشخصية، ونجد أمامهم الحكومة فى حالة من العجز لم يسبق أن شهدنا مثيلا لها.
ويفترض بمجلس الوزراء أن يشكل لجنة أزمة لمتابعة أى أحداث طارئة أو مفاجئة وتتولى هذه اللجنة وحدها كل ما يتعلق بأى حدث حتى يستطيع المسئولون إصدار قراراتهم بالسرعة اللازمة وفى الوقت المناسب ولا يرجئون قراراتهم إلى أوقات بعيدة وهو ما يضخم المشكلة أو الحدث.
نريد مواكبة السرعة الحديثة حتى لا تتراكم علينا أشياء جديدة أو مختلفة.
فالحدث الضار لا بد من وأده بسرعة كبيرة حتى لا يتدخل وينتشر ويتضخم.
ما لم نصل إلى هذا الفهم من عمل السلطة التنفيذية فإن البلاد ستبقى تتأرجح بين تأجيل وتأجيل ليصبح التأجيل هو سيد الموقف.
وغدا ستأتى تحديات جديدة وأثقال جديدة وإشكاليات جديدة بخلاف حادث اختطاف الطائرة وقبله انفجار الطائرة الروسية، فكيف سنواجه هذه الحوادث؟
هل بالانشغال أو بالفراغ؟
أيا كانت أهمية حادث اختطاف الطائرة المصرية، فإن هذا الاهتمام يجب ألا يكون سببا لإهمال الملفات التى كانت مفتوحة ومطروحة قبل وقوع حادث اختطاف الطائرة.
ما يخشى من هذا الانشغال أن يؤدى إلى إغماض العين عما يحاك ضد مصر من حصار غير معلن وأنيابه التى كشفت عن مخالبها فى لعبة الدولار، واحتكار الإعلام بشراء الكثير من المحطات الفضائية والضغوط على بعض الشركات الاستثمارية للخروج من مصر، وما يجرى فى البورصة من ألاعيب، وعدم محاربة الفساد، ومعركة محافظ البنك المركزى.
لذلك نكرر: بات ملحا أكثر من أى وقت مضى اعتماد آلية أكثر رشاقة وسرعة فى عمل مجلس الوزراء بالمواجهة والمعلومات الصحيحة والسرعة فى اتخاذ القرار.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف