عباس الطرابيلى
هموم مصرية- الاستفادة المثلى.. للمياه
خلاص، وانتهى الأمر.. إذ نحن أصبحنا فعلاً فى بؤرة العطش.. بسبب نقص المياه.. فاتفاقية مياه النيل عام 1959 كانت تعطى لمصر حصة «55.5» مليار متر مكعب، وكان عدد سكان مصر ـ وقتها ـ أقل من 30 مليون نسمة.. الآن عدد السكان يفوق التسعين مليوناً.. والحصة هى هى.. ثم ها هى حصتنا تتعرض للتآكل والنقصان، بعد تنفيذ إثيوبيا لسد النهضة وفى الطريق، المزيد من السدود، هناك.. ما الحل إذن؟!
<< نقول ترشيد الاستهلاك.. ممكن.. نقول وقف الرى بالغمر.. ممكن..يكون بالاتجاه إلى وسائل الرى الحديثة.. معقول.. أما الأفضل فهو «إعادة استخدام المياه» أى تدويرها.. خصوصاً وأن المادة لا تفنى.. ولكن تقل. وما لا ينفع للشرب.. ينفع فى الصناعة.. وما لا يجوز فى الصناعة يصلح للرى والزراعة.. بل إن ما لا يصلح لرى المحاصيل الغذائية من قمح وأرز وخضراوات.. يصلح لرى الأشجار والغابات الخشبية.. ولكن من قال إن المياه لا يمكن معالجتها؟!
<< هنا أتذكر فى إحدى رحلاتى إلى ألمانيا أن جلست إلى الوزير المسئول عن البيئة فى برلين ـ وكان من أعضاء حزب الخضر ـ أن سألته: كيف تتخلص برلين من مياه الصرف الصحى والصناعى..؟ رغم أنهم هناك لا يعتمدون فى الزراعة على الرى من الأنهار.
وهنا أخرج الوزير زجاجتين مملوءتين بالمياه.. وطلب منى أن أفرق بينهما إذ واحدة من مياه طبيعية.. والأخرى بها مياه صرف صحى تمت معالجتها.. وفشلت فى الامتحان.. إذ اخترت أكثر الزجاجتين نقاوة وأجبت: هذه هى المياه الطبيعية، أما الثانية فهى المياه المعالجة، وابتسم الوزير، وقال: أخطأت.. فالمياه الأكثر نقاوة هى مياه الصرف الصحى!
<< أى أنهم بالعلم والتكنولوجيا نجحوا فى معالجة أى شىء ملوث. وعندنا فى مصر، أعرف أننا نعيد استخدام مياه الصرف الزراعى.. وليس مياه الصرف الصحى.. مرة ومرتين.. قبل أن نلقى بها فى البحيرات الشمالية، فى طريقها إلى البحر.. وهذا فى رأيى لا يكفى.. إذ يمكن أن نعيد المعالجة مرات ومرات.. مهما تكلفنا مالياً.. لأن المياه لا تقدر بثمن.. وأعلم ـ أننا عندما قررنا ـ دفع كميات من مياه النيل لنروى بعض أراضى سيناء، قررنا أن نخلطها بكمية مساوية لها، من مياه الصرف الزراعى، يعنى متراً مقابل كل متر.
ورغم أننا نخشى أن ندخل بذلك أمراض الدلتا الزراعية الى الأرض الزراعية الجديدة فى سيناء، إلا أن الصواب هو أن نعالج مياه الصرف الزراعى ـ هذه ـ ولو معالجة جزئية، قبل أن ندفع بها إلى سيناء.
<< ورغم أننا نستخدم حوالى «80٪» من مياه النيل فى الرى والزراعة إلا أننا نرى عدم الاستهانة بكميات المياه التى نستخدمها منزلياً.. وأقصد بذلك مياه الصرف الصحى.. فهل نقبل نفسياً أن نستخدم هذه المياه، ضمن منظومة الاستهلاك المنزلى.. أم هو الشك فى عدم كفاءتنا فى تنقية هذه المياه.. فإن كان الأمر كذلك.. لماذا لا نستخدمها فى الزراعة.. أو فى الصناعة، أو حتى فى رى الحدائق؟.. وكنا نعرف زمان أن فى القاهرة ـ مثلاً ـ شبكة مياه «عكرة» من النيل مباشرة لرى الحدائق الخاصة فى أحياء جاردن سيتى والزمالك والحلمية.. تماماً كما كانت ـ فى نفس المناطق ـ شبكة لتوصيل الغاز للبيوت زمان روكما نفعل الآن مع الغاز الطبيعى، فى الاستهلاك المنزلى.
<< المهم أن نبحث، ونشترى، أفضل سبل المعالجة لهذه المياه وندفع فيها، مهما كان الثمن.. وإذا قيل قديماً إن الحاجة أم الاختراع.. فإننا أحوج ما نكون الآن إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه.. وبالذات إذا عرفنا أن عدد السكان سوف يصل الى «100» مليون شخص خلال «5 سنوات».
فهذا أفضل من سؤال اللئيم.. أقصد إثيوبيا!