هانى عسل
تسريبات «بنما» .. مجرد ملاحظات!
ذات يوم، أمسك مصريون بالآلات الحاسبة ليحسب كل واحد منهم «نصيبه» في ثروة مبارك وأسرته وأعوانه في حالة مصادرتها و«توزيعها» على الشعب.
وقتها، انفجر بركان “الغضب”، وسادت أعمال السلب والنهب والحرق في جميع أنحاء مصر، بسبب تقرير ناري تناقلته وسائل إعلام محلية وعربية وعالمية بـ«حرفنة» يقول إن ثروة مبارك وحده بلغت 70 مليار دولار!
تصور المصريون أن هذا المبلغ يكفي لحل أزمات بلدهم كلها، بل ويكفي لحل أزماتهم الشخصية والعائلية أيضا، ولكن بعد سنوات، اكتشفنا أن هذا المبلغ – حتى وإن كان صحيحا - لا يكفي شيئا، لأن الأفواه لا تشبع، والبطون لا تمتليء أبدا، بدليل أن هذا الرقم تحديدا – 70 مليار دولار - لا يكفي واقعيا لسداد فاتورة دعم المواد البترولية فقط لمدة خمس سنوات على الأكثر، واسألوا الدولة كم مليار دولار تحملته الدولة لتلبية المطالب الفئوية في السنوات الخمس الماضية، في صورة مرتبات وتعيينات وعلاوات وبدلات وحوافز، ولن نتحدث عن استمرار الدعم بلا ضابط أو رابط!
والآن، تعاد الغلطة نفسها بعد الكشف عما يسمى بفضيحة تسريبات وثائق بنما، والتي أكدت من جديد وجود أموال لأفراد من أسرة مبارك في الخارج.
القضية ليست قضية مبارك وأمواله، ولكن القضية الآن هي نفس النخب، ونفس إعلاميى «المصاطب»، الذين يعودون لممارسة هوايتهم في خداع المصريين ودغدغة مشاعرهم بالحديث عن أموالهم المنهوبة التي يمكن استردادها، رغم أن هذه الوثائق التي تم تسريبها من مكتب «موساك فونسيكا» البنمي للمحاماة لا تمثل أي سند قانوني في أي محكمة في أي دولة، ولا حتى أي محكمة «تحت بير السلم»، لاسترداد أموال يوقن من يخفيها أنها «منهوبة» و«مهربة»!
لو كان العقل سيد الموقف لعرفنا أن الوثائق المسربة بصورة غير قانونية أصلا لا يمكن أن تشكل وسيلة قانونية لإثبات حق «قانوني» أيضا، ولكنها فضيحة الغرض منها «الضجة» و«الإثارة»، تماما مثلما كان الحال مع تسريبات ويكيليكس وإدوارد سنودن.
لو فكرنا بهدوء، وحسبناها «واحدة واحدة»، وبالمنطق، وبعيدا عن أحلام النخب وفتاوى القاونيين، لعرفنا أن الإثارة المطلوبة من قضية تسريبات بنما هذه هدفها تحقيق شيء آخر تماما، وتدمير دول وشخصيات معينة، وخصوم معروفين بالإسم، بدليل أن مكتب المحاماة المذكور، يعمل في بنما بشكل قانوني منذ أربعين عاما تحت سمع وبصر العالم كله، وتعاملاته مكشوفة مع بنوك العالم قاطبة، ولم يكن نشاطه بعيدا عن أجهزة المخابرات العالمية، فلماذا تسريب المعلومات الآن تحديدا؟ .. مجرد ملاحظة!
ويلفت النظر أيضا أن القاسم المشترك الرئيسي الذي يربط بين قائمة القادة والسياسيين المتهمين بالتهرب الضريبي، والذين وردت أسماؤهم في هذه الوثائق، هو أن أغلبيتهم الساحقة هم من خصوم أمريكا اللدودين، وعلى رأسهم العدو الأكبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وشي جين بينج رئيس الصين، وجهات متعاملة مع إيران وكوريا الشمالية، بينما تخلو القائمة من أمريكيين، أو من سياسيين وقادة حلفاء لأمريكا، مع وجود بعض أسماء لحلفاء سابقين أو “انتهى دورهم”، ربما من باب الحبكة الدرامية .. أيضا مجرد ملاحظة!
ونلاحظ أيضا أن المصدر الرئيسي لنشر هذه التسريبات والمعلومات الخطيرة في مختلف وسائل الإعلام العالمية هو “الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين”، والذي يوجد مقره في واشنطن، والذي قام مؤخرا بخبطات صحفية من النوع نفسه الذي يعتمد على وثائق مسربة شديدة الأهمية ليست متاحة لأحد .. مجرد ملاحظة أخرى يعني!
وبطبيعة الحال، كانت الطبخة في حاجة إلى قليل من الملح والبهارات، ولذلك، دخلت على الخط أسماء لامعة مثل ميسي وبلاتيني وأميتاب باتشان وجاكي شان، والاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا»، وآخرون.
.. والآن، كلمة أخيرة في صلب الموضوع :
بنجلاديش التي كانت واحدة من أفقر دول العالم، والتي يصل عدد سكانها إلى 140 مليونا، أعلنت قبل أيام ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي لديها إلى مبلغ 28 مليار دولار، أي بزيادة نسبتها 23% عن العام الماضي، وهو رقم قياسي لم تسجله بنجلاديش في تاريخها، والفضل في ذلك يرجع إلى ارتفاع صادرات البلاد من النسيج والملابس، وتراجع وارداتها، فضلا عن استقرار تحويلات عامليها في الخارج، بينما نحن ما زلنا في انتظار عودة ثروة مبارك!
.. لا عزاء للشعوب التي أدمنت قبض الرواتب والعلاوات والحوافز بلا عمل، وليست مستعدة لتحمل أي شيء، ولا تعرف من الصادرات سوى الكلام .. والأحلام!