محمد الدسوقى رشدى
إحياء ذكرى «الخطاب الدينى»
كان يا ما كان، يا سادة يا كرام، ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبى عليه أفضل الصلاة والسلام، مسئولون ومفكرون ومثقفون وعلماء وإعلاميون ومواطنون، كلما حدثت الواحد فيهم عن مستقبل مصر ومكافحة الإرهاب والباب الأول الذى يجب أن نطرقه لكى ندخل عالم التقدم والنهضة، يجيبك ومن خلفه صدى صوت جماعى لمصر كلها تقول: لا تقدم ولا هزيمة للإرهاب بدون تجديد الخطاب الدينى، جددوا الخطاب الدينى تهزموا الإرهاب، وتستنير العقول، وتتفتح أمام مصر أبواب المستقبل وينهض التعليم.
كنا مع كل حادثة إرهابية تملأ شارعاً من شوارع مصر بالدم، نعيد ترديد هذه النغمة: جددوا الخطاب الدينى، ومع كل رأى متطرف لشيخ سلفى، نردد نفس الكلمة: جددوا الخطاب الدينى، حتى إن رئيس الجمهورية نفسه أعلنها مرة وكررها أكثر من مرة مغلفاً حديثه بعبارات واضحة تدعو رجال الدين والفكر والثقافة لتجديد الخطاب الدينى لأنه لا أمل فى مواجهة الإرهاب وبناء دولة حديثة دون تجديد الخطاب الدينى.
قال الجميع «آمين» على دعوة الرئيس التى أصبح عمرها الآن عاماً ويزيد، وانطلقت برامج التوك شو تستضيف شيوخاً ومثقفين لتجديد الخطاب الدينى، وبدأت الصحف تنشر مقالات وتحقيقات عن تجديد الخطاب الدينى، وبدأ المذيعون فى برامجهم يتحدثون عن ضرورة تجديد الخطاب الدينى، وبدأت أوراق الأزهر والأوقاف الصادرة ببيانات رسمية تتحدث عن تجديد الخطاب الدينى، وبدأ البعض يجتهد بإلقاء أفكاره كحجارة فى مياه بيت الخطاب الدينى الراكدة، بعضهم كان يفعل ذلك بلا خطة وبشكل متعسف يعادى الناس ويستفز غضبهم، وآخر يفعل ذات الأمر بحثاً عن الشهرة، وثالث يفعل نفس حدوتة الاجتهاد ولكن بصوت خافت لا يراه أحد، بينما الجهتان المنوط بهما تجديد الخطاب الدينى وإطلاق تلك الدعوة نائمتان فى العسل والكسل، لا تعاون بين الأزهر ووزارة الأوقاف ولا حتى عمل بشكل منفرد أثمر عنه أى شىء فيما يخص دعوة تجديد الخطاب الدينى.
كل ما نملكه من حصاد بعد انطلاق أول دعوة لتجديد الخطاب الدينى منذ حوالى عام ونصف مجرد تصريحات، وعدة قضايا ازدراء أديان لكل من اجتهد، وحديث خافت عن مشروع تعطل ولا أحد ينادى بالنفخ فى روحه.
تجديد الخطاب الدينى لن يتم بتصريحات أو بيانات رسمية، تجديد الخطاب الدينى يحتاج إلى إرادة وإدارة، يحتاج إلى أن يكون مشروع دولة يشارك فيه الأزهر والكنيسة ووزارة الأوقاف مع وزارة الثقافة مع الجامعات مع رجال الدين والباحثين. فلا يصح أن نقول إننا نجدد الخطاب الدينى بينما موظفو مساجد الأوقاف يحرقون الكلاب فى مساجد التجمع الخامس بحجة أنها نجسة، لمجرد أن كلبة آوت إلى حديقة خلفية تابعة للمسجد تحتمى فيها مع صغارها.
لا تخبرنى بأننا نجدد الخطاب الدينى واليوم يمر فى ذيل أخيه، وهو يحمل أخباراً عن قضية ازدراء أديان جديدة تأخذ صاحبها إلى السجن.
لا تحدثنى عن تجديد الخطاب الدينى، وفى كل يوم جمعة يشكو المصلون من خطيب متطرف يلقى على آذانهم فتاوى متشددة تحرض ضد الأقباط وتحرم فى كل الاتجاهات.
لا يجوز أبداً أن تحدثنى عن تجديد الخطاب الدينى، بينما وزير الأوقاف الذى كان ينهر الإخوان بسبب خلطهم الدين بالسياسة يعود هو الآن ليكرر نفس الفعل.
غير منطقى أن نقول إننا نجدد الخطاب الدينى، بينما كل تحريات الشرطة والنيابة عن خلايا داعش فى المحافظات، تؤكد أن مساجد الأوقاف أصبح بعضها وكراً لتجنيد الشباب وإرسالهم للقتال مع داعش فى سوريا والعراق.