* ترفض كل ما حولك. تنقد كل ما يحيط بك. تشك فى كل فعل وموقف ممن يحيطون بك. تواصل التأكيد دوماً على صحة وجهة نظرك بمفردك. تتعالى على من هم دونك فى العلم والمكانة والثروة. تتهم الآخر أياً كان الآخر بعدم الفهم أو الإساءة. تفسر كل الأمور وفقاً لهوى ذاتك لا وفقاً لوقائع الحياة. تتمنى السقوط لمن ينافسونك المصير. تشمت فيمن هوت بهم الأقدار أو أزاحتهم من الطريق. إن كنت كذلك أو بعض ذلك فدعنى أخبرك أنك تفتقد ثراء النفس والروح والضمير، وأنك أبداً مهما منحك الله المال والسلطان والجاه ستظل تشعر بالفقر والاحتياج والضيق مما ليس بين يديك، والسبب ببساطة أنك تفتقد إحساس الشبع.
* ربما تسألنى عن الشبع وأحاسيسه فأجيبك أنه إحساس الامتلاء بالرضا لا باكتناز المال والسلطة. تنظر لعيون محبينك وكلماتهم فتستشعر الثروة، ترى نظرات الامتنان من عين قدمت لها مساعدة أو مددت لها يداً فتحس بالضعف أمام الخالق الذى جعل منك سبباً دون أن يكون الفضل لك بل له. تواجه الظلم والزيف وليس لك مصلحة فى مواجهتهما لا تبغى غير وجه الله فتستشعر قوة الحق. تنظر فيما حولك فترى فى الشجر والوجوه والطرقات ملامح الطيبة فيملؤك إحساس الأمان. تبتسم فى وجوه من يفرحون للقائك فتحمد الله أن سهل لك قلوباً تهش لرؤيتك. يأتيك الفرج فى لحظات الضيق من حيث لا تعلم ولا تحتسب وقد كنت تظن أنه لا مخرج لما أنت فيه فتنظر للسماء باكياً تريد أن تحتضنها شكراً. تستغفر الله فى لحظة ابتلاء ألمت بك فتشعر بالسكينة لما أصابك لأنه أرادك أن تذكره فتعود إليه.. يالها من أحاسيس تزيدك ثباتاً ومحبة للكون.. يا له من طعم للشبع.
* دائماً ما أردد أن خزانة الإنسان الأهم فى حياته هى خزانة الذكريات السعيدة والمواقف التى لا تنسى، لأنها الخزانة التى يلجأ لها كلما ضاق به الحال وغلبته الأيام. يفتحها ليجد بها ما يدعم إنسانيته ويمنحها الصفاء الذى يتمناه. دعنى أذكرك بأيام مضت من سنين كانت اللمة هى الدفء المنشود، والضحكات الصافية على نكات ومواقف ونوادر العائلة هى الهناء، وأشياء بسيطة تحيط بنا وتساعدنا فى الحياة هى الاكتشاف والمغامرة. هل تذكر جلسة الكحك لسيدات العائلة فى رمضان وقبل العيد وإمساكك بالمنقاش لتفعل مثلما يفعلن وأنت تصر على أن تحمل صيجان الكحك مع الجميع لتذهب بها للفرن؟ هل تذكر فرحة الملبس الجديد عند شرائه وعند ارتدائه وتيهك بين من هم فى سنك بما ترتدى؟ هل تذكر رائحة كتب المدرسة فى أول يوم دراسى وجلسة التجليد التى كانت تمارسها أمك وأنت بجوارها وعلى وجهك ابتسامة لا تعرف سببها؟ هل تذكر انقطاع الكهرباء ولمبة الجاز التى كانت تؤنس جلساتنا ليتذكر كل منا حكايات ومواقف نقصها على بعضنا دون ضجر أو ملل بل على العكس دعاء أن يطول وقت انقطاع النور لننام دون أن نكمل المذاكرة؟ هل تذكر خوفك من والديك إن فعلت خطأ وسعيك لرضائهما فقط لتسمع دعوة «ربنا يرضى عنك يا ضنايا»؟ هل تذكر اشتياقك لشراء شىء جديد بينما الظروف لا تسمح فتظل تنتظر الفرج ليأتى لك ما طلبت؟ هل تذكر صوت وابور الجاز الرائع ووشه الذى كان يحتضن «حلة الكيك» من أجل قلى السودانى ذى القشرة الخشب، كان أحلى طعم سودانى»؟ هل تفتقد كل هذا اليوم؟ توقف وابحث فى خزانة ذكرياتك عن رائحة السعادة واسع لأن تصنعها لمن حولك لتغير وحشة ذاتك وتؤنسها.
* نعم عزيزى افتقدنا الصدق فراح طعم الأشياء، وتهاونا فى متابعة الجمال فطغت ثقافة القبح، وأفسحنا الطريق للزيف وتجاهلنا تمدده بلا مبالاة فنسينا إنسانيتنا. ولذا أرجوك ابحث عن الجمال ليملأك الشبع والانتماء.