محمد جبريل
ع البحري -محنة كاتمة الأسرار
ربط أستاذنا يحيي حقي بين الظواهر الإبداعية اللافتة عقب ثورة: 1919 محمود مختار في النحت. وبيرم التونسي في الأدب الشعبي. والمدرسة الحديثة في السرد. نبعوا من الثورة التي فجرت مطلب الكشف عن وجه مصر. عن وجه الشعب. مطلب البحث عن أدب وفن يختص بهما هذا الشعب. ويعبران عنه. واقترح يحيي حقي أن تؤخذ صورة فوتغرافية لمصر وهي جالسة. عن يمينها المثال مختار. وعن يسارها الموسيقار سيد درويش. بينما يركع محمود طاهر لاشين - ممثلا للمدرسة الحديثة - ويضع رأسه علي صدرها. وبين ساقيها.
قيمة محمود مختار انه تناول الإزميل من يد الفنان الفرعوني. ووصل بإبداعه ما خلفه الفن المصري القديم في أعمال باقية. أهمها تمثال نهضة مصر الذي اكتتب الشعب لإقامته في ميدان محطة العاصمة. قبل أن ينتقل إلي موضعه الحالي أمام جامعة القاهرة.. إلي جانب إبداعات مهمة في النحت المصري المعاصر. لم يسبقها - والتعبير ليحيي حقي - أو يلحقها غيره.
علي الرغم من حياة مختار القصيرة. المشابهة لحياة سيد درويش ومحمد تيمور. فقد شكلوا - مع غيرهم من رواد الصحوة - ملامح باقية هي الثمار الإبداعية لثورة 1919. تستطيع أن تتعرف إلي منجزه في النحت بزيارة متحفه علي نيل القاهرة. وتأمل تمثاله "نهضة مصر". وتماثيل أخري. منها إبداعه المتفرد "كاتمة الأسرار".
لا أتصور أنه حتي التطرف الذي يدعي الانتساب إلي الإسلام. يجد في تشويه المنحوتات التي تحفل بها بلادنا منذ آلاف السنين. ترويجا لما يدعو إليه من أفكار مغلوطة. تمثال مختار الذي ظل عشرات السنين في موضعه داخل حديقة الشلالات بالإسكندرية. لم يتأثر بما عانته بلادنا من أحداث. الأمر نفسه نجده في أعمال تلاميذه أحمد عتمان وصلاح عبد الكريم والسجيني وغيرهم. والتي تمثل تكوينا مهما في وعينا الجمالي.
الشعب المصري محب للثقافة والفنون منذ أشرق - في اكتشافاته وإبداعاته - فجر الضمير الإنساني. وهو ما يبين في منجزاته عبر آلاف السنين.
حقيقة. تدفعني إلي نفي الاتهام عن أبناء الإسكندرية. نتذكر غضبهم من الفعل الأخرق بإخفاء تمثال عروس البحر أمام سلسلة الشاطبي. وإن كنت لا أستطيع أن أسقط الاتهام عن قيادات المحافظة في التقاعس عن منع تحطيم تمثال كاتمة الأسرار. بالظروف استثنائية. يحاول التآمر الغريب عن طبيعة شعبنا. أن يفرض في ظلها. ما يستهدف الوطنية المصرية. ووعيها الديني والحضاري والجمالي.
الظروف الاستثنائية تلزمنا التأهب لدرء الخطر الذي قد لا نتوقعه في ظروفنا العادية.