المساء
مؤمن الهباء
شهادة -ضربة موجعة لحزب الفساد
في الوقت الذي تصور حزب الفساد فيه انه أفلت من المحاكمات وأمن العقاب ونجح في إخفاء الأدلة وإغلاق الملف جاءته الضربة الموجعة من "وثائق بنما" المسربة لتكشف كل الحقائق وتعري كل الوجوه والأسماء الكبيرة.. فلم تعد هناك أسرار.. ولم يعد هناك جدل في فساد مبارك وأسرته وحاشيته ونظامه.. بعد أن فضحتهم ثرواتهم المهربة في الخارج.
والحقيقة أن الفساد لم يكن في نظام مبارك وحده.. وإنما هناك معمر القذافي ونظامه وحاشيته وأولاده.. وحافظ الأسد وعائلته.. وإياد علاوي رئيس وزراء العراق السابق.. وأمير قطر السابق.. ورئيس السودان السابق.. ستة زعماء عرب من بين 12 من قادة العالم الفاسدين المنخرطين في جرائم نهب أموال الشعوب وتهريب الثروات وغسيل الأموال.. أي لدينا نصف قادة العالم الفاسدين.. كانوا مختلفين ومتناقضين ومتصارعين.. لكنهم كانوا متفقين في نهب شعوبهم العربية اليائسة.. أما قائمة الزعماء الباقين فتضم أمثال الرئيس الروسي بوتين ورئيس وزراء باكستان نواز شريف وقادة من آسيا وأفريقيا فاسدين ومستبدين.. بالإضافة إلي 143 من السياسيين والمقربين منهم والرياضيين والمشاهير في العديد من المجالات علي مستوي العالم.
هل بعد ذلك يمكن أن يدعي أحد أن مبارك مظلوم وأن 25 يناير كانت مؤامرة قام بها عملاء.. وأن ثورات الربيع العربي انطلقت بتحريض أمريكي لتفتيت الدول العربية تطبيقا لنظرية الفوضي الخلاقة؟!.. ألم يكن هذا الفساد الفاجر هو أكبر محرض علي الثورة في مصر وليبيا وسوريا واليمن وتونس.. وبالتالي فإن المسئولين عن الفوضي هم أولئك القادة الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد.
هناك قول مأثور لسيدنا علي بن أي طالب انه ما افتقر فقير إلا بتخمة غني.. وهذه المقولة - الحكمة - تعني أن مشكلة الفقر ليست بسبب نقص الموارد أو لزيادة أعداد البشر كما كان يزعم مبارك دائما ليخلي ساحته من المسئولية.. ولكنها نتيجة اختلال العدالة وسيطرة الجشع وتسليم مقاليد البلاد إلي لصوص وفسدة.. وهذه الحكمة تؤكدها اليوم وثائق بنما التي تثبت أن موارد مصر المنهوبة والمهربة للخارج علي يد مبارك وأولاده وحاشيته كانت تكفي لاشباع أهل مصر جميعا وزيادة.. وأن الخلل كان في سلوك النظام وسياساته وانحيازاته.
وقد شاء ربك أن تأتي "وثائق بنما" واضحة جلية لتقول للناس هذا هو الرئيس الذي كان يعايرنا دائما "أجيب لكم منين" ويتهكم علينا "خفوا رجليكم شوية" ويتفاخر علينا "أحمل الأمانة بشرف".. هذا الرئيس هو نفسه الذي غنينا له ورفعنا صوره.. واليوم تكشف وثيقة شركة "بريتيش فيرجنا إيلاند" انه اشترك مع أبنائه وأركان نظامه في "نهب واختلاس الأموال من الميزانية العامة للدولة المصرية ما عرقل مسيرة الديمقراطية وجرد الشعب المصري من فوائد التنمية".
وتشمل وثيقة الناهبين اسم مبارك نفسه علي رأس القائمة ثم زوجته وابنه علاء وزوجته وجمال وزوجته ورجل الأعمال أحمد عز وزوجاته الثلاث ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وزوجته ووزير الاسكان أحمد المغربي وزوجته ووزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد وزوجته ووزير السياحة محمد زهير جرانة وزوجته ونجله.. وتحت هذه الأسماء أسماء أخري لا حصر لها من التابعين وتابعي التابعين... ولولا ثورة 25 يناير ما انكشف الستار عنهم وظهرت جرائمهم.. وربما ظلوا في مقاعدهم حتي اليوم ترفع لهم الألوية وتدبج فيهم قصائد المديح وتصنع لهم التماثيل في الميادين.
لقد كان الفساد متغلغلا ومقننا وممنهجا - لكن الأفواه كانت مكممة لا تجرؤ علي الكلام.. اخترعت مناسبات عديدة علي مدار العام لكي تذهب هدايا الذهب والسيارات المحملة بما ثقل وزنه وعلا ثمنه إلي المسئولين وزوجاتهم وأبنائهم.. كل حسب مكانته ومستواه.. من أكبر رأس إلي أصغر لص.. بما في ذلك أسماء كبيرة في مواقع حساسة وأجهزة رقابية مهمتها أن تحارب الفساد لا أن تتورط فيه وتتستر عليه.
وحتي الآن لم يحاكم الفساد بشكل جدي.. ولم تتغير القوانين التي كانت تحكم دولة الفساد .. ولم تتمكن مصر من استرجاع أموالها المهربة من بنوك الخارج.. وقد أصدر الاتحاد الأوروبي قرارا بتجميد هذه الأموال عاما آخر إلي 2017 كي يتيح الفرصة لمن يتحرك من أجل استرداد أموال الشعب.
إن الضمان الوحيد لهزيمة الفساد وهزيمة الإرهاب في آن واحد يكمن في الحرية والديمقراطية.. حرية الشعب وديمقراطية النظام السياسي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف