عباس الطرابيلى
هموم مصرية-مصر ـ السعودية: مواقف وذكريات
أعادت زيارة العاهل السعودي «خادم الحرمين» الملك سلمان، إلي الذاكرة مواقف عظيمة وذكريات تنعش القلوب.. ورغم ما مرت به هذه العلاقات من صعاب ومشاكل، إلا أنها ظلت هي الأقوي.. بل تؤكد أن محور القاهرة ـ الرياض محور عربي. إسلامي. إقليمي. ودولي فاعل.. وظلت هكذا، خصوصاً في الأزمات الإقليمية.. عندما كانت هذه العلاقات تسمو فوق أي خلاف، لتعود هذه العلاقات.. أقوي مما كانت.. وأحداث التاريخ تؤكد ما نقول..
<< ولقد كان الملك المؤسس: عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود ذا بصيرة تقفز فوق الأحداث.. إذ رأي بحكم بصيرته النافذة هذه، أن قوة العرب والمسلمين تنبع من مدي قوة رسوخ العلاقة بين القاهرة والرياض. ولذلك كانت نصيحته لأبنائه أن تكون علاقتهم بمصر وقادتها هي الأساس وهي الأقوي، مهما كانت المحن والآلام، وكان الملك المؤسس يتخذ المسار الذي نصح به رسولنا الكريم، عليه رضوان الله وسلامه، من أن يتخذوا من مصر جندهم..لأنهم خير أجناد الأرض.. وأن للعرب مع المصريين نسباً وعلاقة رحم.. والتزم أبناء عبدالعزيز بوصيته تماماً وسمعت ذلك مراراً وتكراراً من كل الملوك والأمراء السعوديين الذين التقيتهم وقابلتهم.. أو جلست إليهم.
<< ومازلت أتذكر صورة الملك فاروق وهو يرحب بالملك عبدالعزيز في استراحة بإنشاص عام 1945.. وفي القاهرة.. في المركبة الملكية التي أقلت العاهل السعودي وهو ينزل من اليخت «محروسة» الذي أرسله الملك فاروق ليقل العاهل السعودي من بلاده إلي مصر..
ثم صورة اللقاء الحميم بين الملك عبدالعزيز وأول رئيس جمهورية لمصر هو محمد نجيب عام 1953 ثم صورة نجله الملك سعود بالرئيس نجيب بعد شهور.
<< ولكن الصورة التي هزت وجدانى.. كانت صورة عدد من أمراء الأسرة السعودية يتلقون تدريباً عسكرياً ليصبحوا مقاتلين فدائيين في قوات الحرس الوطني المصرية، عندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي البريطاني ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي عام 1956.. وكان الملك سلمان «الأمير وقتها» يتوسط عددا من إخوته الأمراء منهم الأمير فهد ـ الملك فيما بعد ـ والأمير محمد.. فقد فهموا تماماً أن هذا العدوان لا يستهدف مصر وحدها..
<< وجاءت غمامة سوداء غلفت العلاقات مع السعودية، خلال حرب اليمن وكان «عبدالناصر» يحاول تعويض انفصال سوريا عن مصر.. فساعد ثوار اليمن.. علي حساب سياسة السعودية الاستراتيجية فيما يجري علي حدودها الجنوبية..في اليمن. وكانت اليمن بداية مؤكدة لهزيمة 1967.
ولكن سرعان ما ذهبت هذه الغمامة الضبابية السوداء.. عندما كان الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز، أول من دعا إلي نسيان الماضي والدعوة لدعم صمود مصر، وكان ذلك في القمة العربية بالخرطوم في أغسطس 1967.. بل كان الملك فيصل هو أول من افتتح الدعوة لدعم صمود مصر ونسي حتي الإهانات التي وجهها الإعلام المصري للسعودية، ولشخصه بل وعاد ليلبي سياسة والده العظيم بألا ينسي مصر ودعم شعبها.. وهنا أتذكر عندما تجاوز الرئيس الليبي معمر القذافي بعدها كل حدود اللياقة في الحديث مع الملك فيصل.. وناده باسمه مجرداً.. إذ التفت الملك فيصل إلي عبدالناصر.. وتحرك الرئيس المصري فوراً ووجه عتابه لمعمر القذافي، بما معناه.. احفظ مركزك!!
<< وأشهد صراعاً مكتوماً شهدته بنفسي في قمة شرم الشيخ بين القذافي والملك عبدالله ـ وكان وقتها ولياً للعهد ـ ولولا تدخل الرئيس مبارك لحدث ما لا تحمد عقباه.. إذ انسحب الأمير عبدالله خارج الجلسة محتجاً وهو يرد علي القذافي قائلاً: يبدو أنك نسيت من جاء بك إلي الحكم.. والمعني في بطن كل من يعلمون!!
وهل ننسي الموقف السعودي الرائع خلال حرب أكتوبر 1973 ومواقف الملك فيصل وقولته الشهيرة إننا مستعدون ان نعود إلي عصر الاعتماد علي التمور وحليب الناقة.. ولن نسمح بتدمير مصر وجيش مصر العظيم..
<< ونفس الموقف الرائع من الملك عبدالله ـ بعد ثورة 25 يناير ثم ثورة 30 يونية وتهديده المباشر لكل من يحاول ضرب مصر وكيف أرسل وزير خارجيته الشهير الأمير سعود ـ وكان مريضاً ـ إلي فرنسا ووجه إنذاره باسم الملك عبدالله.. فكان أن تراجعت كل القوي ثم مواقف الملك سلمان الذي قال لي مرة وقد ذهبت للقائه في قصر الحكم بالرياض دون موعد مسبق.. قال: أنا لا أرد مصرياً عن بابي أبداً ثم دعمه المستمر ـ حتي الآن ـ لمصر حتي تصمد.. ولا تسقط.
<< تلك صور لا تنمحي أبداً من الذاكرة المصرية.. عن المواقف السعودية.