إلى هذه المرحلة وصلنا، وكأن الشر رفع راياته على أغلب أرضنا..
وصلنا إلى تلك المرحلة التى رأينا فيها عجوزاً يتعثر بين سيارات الشارع، وترتبك عيناه ما بين اليمين واليسار بحثاً عن مساعدة فلا يجد، كتل بشرية حجرية تعبر وتمر من أمامه دون رد أو استجابة.
وصلنا إلى تلك المرحلة التى أصبح وجود صورة لإنسان يعطف على قطة أو كلب حدثاً يستدعى الاحتفال به، ودليلاً يمكننا استخدامه للتدليل على بقاء بعض من الإنسانية فى أرضنا، رغم أننا بحكم الدين والتاريخ والتراث كان من المفترض أن نكون أكثر شعوب الأرض حفاظاً على الحيوانات.
وصلنا إلى تلك المرحلة التى أصبح معتاداً فيها أن تستيقظ كل صباح على صورة يتداولها أهل الفيس بوك لرضيع يجدونه أحياناً فى موقف سيارات، وأحياناً أخرى فى الشوارع، ومرات ثالثة فى حديقة عامة.
وصلنا إلى مرحلة تشاهد فيها بثاً حياً لموظفى مسجد فى التجمع الخامس، وهم يحرقون كلبة وصغارها بالنار، ويضربونها بعصا مدججة بالمسامير، لأن الكلبة تجرأت وأرادت أن تحفظ صغارها فى جزء من حديقة خارجية تابعة للمسجد.
وصلنا إلى مرحلة اعتدنا فيها أن نسمع ما بين ليلة وضحاها عن خبر اغتصاب طفلة صغيرة دون أن ترتعش قلوبنا، رغم أن المغتصب فى كل قضية غالباً خال أو عم أو أخ أكبر، وأحياناً الجد أو الأب.
وصلنا إلى مرحلة يقودها بعض البشر على مواقع التواصل الاجتماعى يجيدون السخرية من كل شىء، ويبخسون الشهداء حقهم فى التكريم والتخليد، مرحلة لا يشعرون فيها بالفاجعة إلا إذا تحرك عداد الشهداء، وتخطى حاجز الخمسين شهيداً، مرحلة يستغلون فيها دم الشهداء لتصفية حسابات وخصومات سياسية وهم يعلمون أن وطناً بأكمله تهدده حرب شرسة.
وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها كل مقدم مساعدة خيرية يجد فى نفسه أنه قد أنجز ما لم ينجزه أينشتاين، وتحمل ما لم يتحمله «سيزيف»، وهو صاعد للجبل، رغم أن التكافل والصدقة هما أصل الحياة وواجب فرضه الدين قبل أن تفرضه الإنسانية قبل أن تؤكده الأعراف الاجتماعية.
وصلنا إلى مرحلة تسرب خلالها كثير من الجهلة إلى ساحة الحياة السياسية والإعلامية، ليفسدوا على الناس عقولهم، تارة بتجارة الأعشاب، وتارة أخرى بتجارة الكلام المسموم على الفضائيات، وتارة ثالثة بتجارة الدم والوطنية وتخوين الناس.
وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها العداوة شعاراً، كل خصم يرى فى خصمه عدواً واجباً اغتياله معنوياً أو إقصاؤه تماماً من على هذه الأرض الطاهرة.
وصلنا إلى مرحلة نقدم فيها الشتامين على أهل العلم، ونجعل من الردّاح الذى يهاجم عالم بطلاً، ونتلاعب فيها بعقول أبنائها، ونتغاضى فيها عن كل ما له علاقة بتاريخ الوطن وأخلاقه وسمعته.
هل أدركت الآن فى مقدمة أى نفق نقف جميعاً، نفق مظلم لمجتمع تسيطر عليه شرور نفسه؟! وربنا يستر.