مكرم محمد احمد
أبعاد استراتيجية مهمة لمباحثات سلمان والسيسى
عندما أعلن الرئيس الأمريكى أوباما، فى حديثه المطول إلى مجلة أطلنطا، أن الشرق الأوسط لم يعد يمثل مصلحة أمريكية مهمة تستحق التضحية بالجنود الأمريكيين فى حرب جديدة هناك، وأن مستقبل أمريكا يتعلق بقارة آسيا حيث الشعوب هناك أكثر نشاطاً وأشد انشغالاً بقضايا التقدم والتحديث، فضلاً عن أنهم يحبون الأمريكيين ومن الصعب أن تجد آسيوياً يقضى أغلب وقته يفكر ليل نهار فى كيفية تفخيخ هدف أمريكى!
عندما أعلن أوباما هذا المبدأ الجديد قبل عشرة أيام، رفض كثيرون أن يصدقوا الرئيس الأمريكى الذى يجرد الشرق الأوسط من أى أهمية استراتيجية، وأرجعوا رؤية أوباما الجديدة إلى الفشل الذريع الذى منيت به سياساته فى الشرق الأوسط، سواء فى قضية الصراع العربى الإسرائيلى التى كشفت ضعف أوباما وعجزه المريع عن مواجهة صقر اليمين الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، أو فى قضية الإرهاب عندما بالغت إدارة أوباما كثيراً فى تضخيم قوة داعش، وتنبأت بسيطرة طويلة الأمد لداعش على هذه المساحات الشاسعة من الأراضى التى احتلتها فى العراق وسوريا، وتبنت سياسات عقيمة تقوم على الاحتواء والمهادنة مكتفية ببعض عمليات القصف الانتقائى، تترصد وتطارد بعض قيادات داعش دون أن تقوض بنيتها العسكرية والتنظيمية، إلى أن وقع التدخل الروسى فى الأزمة السورية الذى قلب كل معادلات أوباما فى الشرق الأوسط، ووضع سياساته فى وضع بالغ الحرج نتيجة المساندة الجوية الروسية لعملية الزحف البرى للقوات المسلحة السورية، التى تمكنت من استعادة مساحة أربعة آلاف ميل مربع، بينها مدينة تدمر الأثرية درة بادية الشام، بموقعها الاستراتيجى الحيوى الذى يفتح الطريق لتحرير محافظة دير الزور، التى لا تزال تخضع لداعش واستعادة مدينة الرقة التى اختارها أبوبكر البغدادى عاصمة لدولته.
وعلى عكس كل التوقعات لم تحدث سياسات أوباما الانسحابية الصدمة التى كان يتوقعها كثيرون فى مراكز ثقل القرار فى منطقة الشرق الأوسط خاصة الرياض والقاهرة، ربما لأن الرياض كانت تتوجس قلقاً منذ فترة من سياسات إدارة أوباما فى سعيها الحثيث إلى تسوية الملف النووى الإيرانى دون حساب لمصالح الأمن العربى، الأمر الذى فتح الطريق أمام طهران كى تلعب من جديد دور شرطى الحراسة فى المنطقة، رغم تحذيرات السعودية المتكررة لواشنطن فى إطار دبلوماسيتها الهادئة، وإلحاحها على ضرورة أن يتضمن برنامج التسوية السلمية للملف النووى الإيرانى التزاماً إيرانياً واضحاً ومحدداً بعدم مساعدة منظمات الإرهاب فى المنطقة، واحترام أمن واستقرار دول الخليج، والالتزام بشروط الأمن العربى، إلا أن تعجل واشنطن الوصول إلى اتفاق الملف النووى الإيرانى أسقط معظم هذه الاعتبارات، ومنذ هذا التاريخ تتبنى السعودية سياسات أكثر حسماً وتشدداً، تقوم على الاعتماد على الذات، وتسعى إلى توسيع تحالفاتها فى الدائرتين الإسلامية والعربية بما يحول دون ظهور فراغ إقليمى يغرى الآخرين على محاولة استثماره.
ثمة دلائل كثيرة تؤكد خطط التنسيق المشترك بين القاهرة والرياض بما يحول دون وجود فراغ فى الشرق الأوسط، أو إسرائيل التى تتصور أنها الجديرة بملء هذا الفراغ، أو تركيا تحت حكم رجب طيب أردوغان الذى لا يهمه أمن العرب وسلامهم ويحاول اللعب على المتناقضات العربية أملاً فى عودة الخلافة العثمانية.
وما من سبيل لوقف هذه الأطماع المتزايدة سوى أن تتوافق القاهرة والرياض على استراتيجية واضحة تعزز تحالفهما المشترك، وتحصنه من أى مؤامرات تستهدف تفكيكه، وتساعد على خلق نواة صلبة لتضامن عربى جديد أكثر عقلانية ورشداً، يمكن العرب من هزيمة منظمات الإرهاب واجتثاث جذورها، ويساعدهم على توسيع تحالفاتهم فى العالم الإسلامى، استنقاذاً لصورة الإسلام من جرائم الإرهاب، ويسد أى فراغ إقليمى يغرى الآخرين على محاولة شغله، ولهذه الأسباب تكتسب زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر، أهمية استراتيجية خاصة تجعل منها حدثاً تاريخياً مهماً.
سوف يبحث الملك سلمان مع الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال زيارته أوضاع الشرق الأوسط ومستقبله فى ظل تصريحات الرئيس الأمريكى أوباما عن عزم الولايات المتحدة الانسحاب من مشاكل المنطقة وحرصها المتزايد على عدم التورط فى أى صراع مسلح فى الشرق الأوسط، والتزامها بسياسات الاحتواء فى مواجهة تنظيم داعش دون التورط فى أى صدام برى، رغم أن داعش تواجه فى كل من العراق وسوريا هزائم متتابعة أدت إلى تقليص مهم للمساحات الشاسعة التى كانت تسيطر عليها، وتحرير عدد من المحافظات والمدن العراقية والسورية المهمة، كما أدت إلى إضعاف قدرة داعش العسكرية وتصفية عدد غير قليل من قياداتها، بما يؤكد إمكانية دحرها واجتثاث جذورها، وإن كانت داعش تحاول أن تنقل مركز عملياتها إلى ليبيا حيث تسيطر على مدينة سرت فى الجنوب ومدينة درنة فى أقصى الشرق على حدود مصر وسبراتة على حدود تونس، وفى هذا الإطار ثمة ما يؤكد أن موضوع القوة العربية المشتركة لمساعدة الدول العربية على مواجهة الإرهاب سوف يكون على قائمة اهتمام الزعيمين، خاصة أن رؤساء أركان الجيوش العربية انتهوا من وضع خطوط الأساس لعمل القوة العربية المشتركة ومهامها، مع التشديد على عدم التدخل فى الشأن الداخلى لأى دولة وطوعية الانضمام إلى هذه القوة والتزامها بالشرعية الدستورية.
كما يبحث الزعيمان سبل عودة التضامن العربى فى ظل الاحتياج العربى المتزايد لضرورة أن يخرج العالم العربى من مرحلة التفكك والتفتت الراهن، خاصة أن الجامعة العربية (بيت العرب) تدخل مرحلة جديدة بانتخاب أمين عام جديد يحظى بأوسع توافق عربى، يعتقد أن مصر والسعودية والإمارات والمغرب والجزائر يمكن أن تشكل نواة خماسية لتضامن عربى واسع يعيد للجامعة العربية دورها كمنظمة إقليمية تهدف إلى تعزيز سبل العمل العربى المشترك، ومنع النزاعات العربية - العربية من خلال آليات عملية تعالج أسباب الخلافات قبل استفحالها، وتوسيع مهمة الجامعة العربية ودورها الاقتصادى والثقافى بما يعزز البنية التحتية المشتركة للدول العربية، وينمى قدراتها العلمية والثقافية، ويوظفها على نحو رشيد لتربية جيل عربى جديد يحسن استخدام عقله، وينفر من العنف والتعصب ويعترف بالآخر ويرفض الخرافة وينمى مهاراته على أسس علمية رشيدة، خاصة أن العرب يملكون مؤسسة عربية مهمة هى (اليكسو) التى من المفترض أن تقوم بدور اليونيسكو فى الحفاظ على التراث العربى وتهيئة مناخ علمى ينتصر لحريات الرأى والإبداع والبحث العلمى، لكن الاستفادة من منظمة (اليكسو) لا تزال هامشية وجد محدودة.
وخلاصة القول إن التوافق المصرى السعودى على منظور مشترك لأوضاع الشرق الأوسط وأحوال أمتنا العربية فى علاقاتها الإسلامية والأفريقية والإقليمية والدولية يساعد على ضبط إيقاع عالمنا العربى، حرصاً على المصالح العربية العليا، ويهيئ الأرضية الصحيحة لتضامن عربى قوى ينمى فرص العمل العربى المشترك، ويعيد إلى الجامعة العربية دورها كمنظمة إقليمية تحفظ الأمن والسلم العربيين وتمنع نشوب نزاعات عربية - عربية، وتكتل جهود العرب لمواجهة تحديات عصرهم وفى مقدمتها منظمات الإرهاب.