المساء
نبيل فكرى
مساء الأمل .. رسالة إلي وزير الداخلية
لم أعتد الكتابة في أمور شائكة فصل فيها القضاء. فحُكم القضاء عنوان الحقيقة. ولا أتوقف عند دفاع الناس عن أنفسهم بعد صدور الأحكام. فهذا طبيعي ومنتظر. حتي وإن لامست الكلمات قلبي وهزتني الدموع.. لكن واحداً دفعني للخروج عن المألوف. وأسرني إلي آخر مدي.. ذلك هو عم إبراهيم.. هذا الرجل الطيب الصابر. المغموس طيبة ووطنية ومحبة للناس.. هذا القعيد الذي بإمكانك أن تعتمد عليه في أشياء كثيرة. فينجزها لك في حب وهو جالس علي "فرش الخضار" بأحد شوارع دمنهور. يوزع ابتسامات الرضا علي كل من يمر به.
التقيت أكثر من مرة بعم إبراهيم. وفي كل مرة كنت أسأله السؤال المعتاد "مش عاوز حاجة". وفي كل مرة لم يكن بحاجة إلي شيء. يودعني بدعواته وابتساماته التي لا تتغير ولا تتكدر. باستثناء تلك المرة التي بدا فيها غير قادر علي الاحتمال. فتبدلت الابتسامة دمعاً سخياً يُدمي القلوب.. أما السبب فقد كان ابنه السجين. الذي يخشي أن يودع الدنيا دون أن يراه. ودون أن يأخذه في أحضانه ودون أن يجالسه. فهو ابنه حتي لو كان في السجن.. هو ابنه وفلذة كبده ونور عينيه حتي لو كان جزاؤه ست سنوات يقضيها خلف الأسوار. وعم إبراهيم.. هو محارب قديم. ذاد عن الوطن ودافع عن ترابه في حرب أكتوبر المجيدة. وهو من أبناء الفريق عبدالمنعم رياض. لكن الحياة ابتلته بما يفوق احتماله. فقد ماتت زوجته وتركته مع ولد وبنتين. وسرعان ما لحقت البنتان بأمهما في حادثين متفرقين.. بعدها تم القبض علي الابن ليصدر عليه حكم بالسجن ست سنوات في قضية مخدرات. أمضي منها الابن عامين حسب كلام الأب. الذي يسوق الكثير من المبررات لتبرئة نجله. لكن المبرر الأكبر أنه يريده.. أنه لا يريد أن يموت دون أن يستند علي كتفيه ولو بضعة أيام.. لم يعد يطيق تلك الليالي الطويلة يتطلع إلي حزن يلفه حزن.. لا يري سوي الذكريات ولا تحيط به سوي الجدران الصماء.
أنا لا أعرف كيف أساند عم إبراهيم. لكني وعدته أن أرفع رجاءه إلي اللواء الإنسان مجدي عبدالغفار. وزير الداخلية.. لن أسوق ما قاله عم إبراهيم عن براءة ابنه. فالأب لن يري ابنه إلا بريئاً.. ولا عن ضيق ذات اليد الذي حال دون تكليف محام بإمكانه أن يفند موقف الابن. فالحقيقة أننا أمام حكم صدر. لكن عم إبراهيم "المحارب القديم" والقعيد. يقضي أيضاً فترة سجن مع ابنه.. يبحث كل صباح عمن يدفع له كرسيه المتحرك إلي "فرش الخضار" ليسد حاجته دون أن يسأل الناس. بل إنه يعطيهم.
إلي الوزير الإنسان. اللواء مجدي عبدالغفار: هذا حال عم إبراهيم الذي حارب من أجل الوطن. وهذا واقع ابنه محمد إبراهيم خميس ناجي. الذي يقضي عقوبته بسجن برج العرب. وبالإمكان السؤال عنه. وعن حاله في السجن. وهل استوعب درس أيام العقاب أم لا. وهل في "روح القانون" متسع لتلبية رغبة أب مكلوم في أسرته. التي لم يبق منها إلا ابن خلف الأسوار؟!.. هل آن للمحارب أن يستريح؟!!
* ما قبل الصباح
أولادنا.. قلوبنا تمشي علي الأرض
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف