د. محمد مختار جمعة
الأرض السبخة والأشجار المثمرة
الأرض السبخة هي تلك الأرض التي لا تنبت كلأ ولا تمسك زرعاً. حيث يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "مثل ما بعثني الله به من الهدي والعلم. كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء. فأنبتت الكلأ والعشب الكثير. وكانت منها أجادب أمسكت الماء. فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخري إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم. ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به" "رواه البخاري". فالذي لا ينفع الله به الناس هو كالأرض السبخة أو القيعان التي لا تمسك ماء ولا تنب كلأ. فخير الناس أنفعهم للناس. و شرهم من تركه الناس واتقوه وتجنبوه اتقاء فحشه. حيث يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشهَ" "رواه البخاري". ويقول "صلي الله عليه وسلم": "إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر. وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبي لمن جعل الله مفاتيح الخير علي يديه وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر علي يديه" "سنن ابن ماجة". أما أهل الفضل والصفاء فهم من شرح الله صدورهم للإسلام. وملأها بحب الخير. فاصطفاهم لقضاء حوائج الخلق. حيث يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "إن لله عباداً اختصهم بالنعم لمنافع العباد. يقرهم فيها ما بذلوها. فإذا منعوها نزعها منهم. فحولها إلي غيرهم" ويقول صلي الله عليه وسلم": "إن لله عباداً خلقهم لحوائج الناس. يفزع الناس إليهم. أولئك الآمنون يوم القيامة". هؤلاء هم الأشجار المثمرة. اليانعة النافعة. غير أن هذا الإثمار قد يعرضهم لحسد الآخرين أو أحقادهم أو محاولة تعويقهم. ممن قصرت همهم. وشغلوا بالصغائر عن العظام. وبهدم الآخرين عن بناء أنفسهم. وقد قالوا: ولا يقذف بالأحجار إلا الشجرة المثمرة. ولا يقذفها إلا الصبية. أما الرجال فيستحون. ولا يحوم اللص إلا حول البيوت العامرة فإن حام حول البيت الخرب كان سيد البلهاء. غير أن رمي الصبية أو قذفهم لا يزيد الوطنيين المخلصين إلا صلابة. فالضربة التي لا تقصم الظهر تقويه. ولله در القائل:
عداي لهم فضل علي ومنة .. فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
هم بصروني زلتي فاجتنبتها .. وهم سابقوني فاكتسبت المعاليا
ويقول أبو الأسود الدؤلي:
حسدوا الفتي إذ لم ينالوا سعيه .. فالقوم أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها .. حسداً وبغياً إنه لدميم
فالعاقل من ينشغل بالبناء لا بالهدم. ولا يقابل السيئة بالسيئة. بل يعفو ويصفح. ويدفع بالتي هي أحسن. حيث يقول الحق سبحانه: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" نسأل الله أن نكون منهم وأن نتحلي بأخلاقهم وأن نحشر في زمرتهم.