الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
أبنـــــــــــاؤنا يغـــــــــــرقون
البحر المتوسط بقسوته. وجبروته. وغموض عمقه. وعنف أمواجه. يقهر البسطاء والمستضعفين في مصر. يناديهم فيلبوا نداءه. بحثا عن لقمة عيش مريرة. مغموسة بالحاجة. وبطعم الفقر. كلما دفعهم الأخير الي ركوب المخاطر. ومصارعة المجهول. يستقلون مراكب ضعيفة متهالكة. غير صالحة ليمخروا بها عباب هذا البحر القاسي. يقودها ملاح مجازف طماع. يستغل حاجة هؤلاء البسطاء. يطمع فيما جمعوه بعد ظلم السنين وعوامل الأيام. جمعوه من فقر وعمل بطعم البطالة. وأمل بطعم اليأس. الي مستقبل قد يطلع فيه نهار ولو كان غير مشرق. المهم أن يلقي الرجل أو الشاب أو الصغير منه لقمة عيش تقيم حياته وتشد وجوده كانسان.
كم من المصريين ركبوا المخاطر. وأبحروا مع الملاح الجشع يجمع حطام أموالهم بزعم توصيلهم الي بر الأمان. فينزلهم في مكان بذلك البحر القاسي. قد يستطيعون عبور الباقي سباحة أو في زورق أكثر رداءة وعدم صلاحية من المركب التي أبحرت بهم الي هذا المكان الخطير. بحثا عن لقمة عيش يعيشون بها. فيكون الموج هو البالوعة التي تأخذهم الي قرار مظلم. ومصير مرير. خسروا فيه أرواحهم بعد أن خسروا أموالهم.
مأقساك ياوطني. وأنت تتخلي عن أبنائك الفقراء البسطاء. الذين لم يرضوا لأنفسهم أن يعيشوا عالة علي الآخرين أو يلجأون الي التسول أو يستسلموا الي بطالة تزرع في نفوسهم الألم. وتنبت في أعماقهم الذل وتحيطهم باليأس القاتل. فيختارون الموت غرقا علي البقاء في فقر وانكسار.
ان المئات التي ضاعت طوال السنين الماضية. بحثا عن عيش كريم. وحياة شبه مستقرة. تزرع في جوانب هذا الوطن الألم والمرارة.. أما ان لنا أن نصب ونتكاتف ونتعاون يشد بعضنا بعضا نقتسم أرضنا وزرعنا ونيلنا. نعمل بجهد وعرق. حتي يمكنا ان نجعل هذا الوطن قبلة الباحثين عن العمل من دول كثيرة كانت قديما تأتي الينا من أجل لقمة عيش رغدة.. كان يلجأ الينا اليونانيون. والقبارصة. والأرمن. والطليان. ليعيشوا بيننا يمارسون مهنا متعددة وحرفا كثيرة بدءا من أعمال حياكة الملابس. وأصحاب مقاهي. وبارات. وبنسيونيات. وحلوانية. وبقالة. وغيرها كثير كما كان يلجأ الينا الشوام من سورية وفلسطين يعملون في مصر ويشاركون شعبها خيرها الذي كان يتدفق علي الجميع بحب وسعادة أما كانت مصر هي دائما قبلة كل باحث عن الخير محب للشهرة يجري وراء الجاه ليجمع ثروة يباهي بها مواطنيه.
ماذا حدث حتي نتلقي كل يوم أخبارا سيئة محزنة مدمرة للأعصاب عن ضحايا غرقي في مياه المتوسط من الشباب والرجال والنساء والأطفال. يجازفون بحياتهم. يجمعون ما يقدرون عليه من أموال يأخذها صاحب مركب غير صالح للابحار في خضم هذا الموج القاسي الذي لا يعرف الرحمة. ولا يعرف الشفقة. ولا يرحم هؤلاء الجوعي الذين ألقوا بأنفسهم الي مجهول قاتل لا يعرف الضعيف ولا يحنو علي محتاج.
ان الأنباء التي تتواتر في الصحف عن أهالينا الذين دفعهم الفقر وضيعتهم البطالة لتترك في النفس جرحا غائرا لا يلتئم الا برعايتهم والعمل علي حمايتهم بتجمع هذا الشعب جنبا الي جنب لخوض معركة النهوض وتنمية هذا الوطن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف