الأهرام
عبد الرحمن سعد
تحرير الإرادة مجد الإسلام
"شهيد الحرية ومجد الإسلام" هو الوصف الذي أطلقه المفكر "محمد عمارة"، على "عبدالرحمن الكواكبي"، صاحب كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، وأنقل منه هذه القبسات المنيرة للعقل، والروح، والطريق؛ واعتمد فيها عمارة على مؤلف الكواكبي.
كل الأنبياء العظام، عليهم الصلاة، والسلام، وأكثر العلماء الأعلام، والأدباء النبلاء، تقلبوا في البلاد، وماتوا غرباء.

سلك الأنبياء، عليهم السلام، في إنقاذ الأمم، من فساد الأخلاق، مسلك الابتداء.. أولا: بفك العقول من تعظيم غير الله، وإلاذعان لسواه، وذلك بتقوية حسن الإيمان، المفطور عليه وجدان كل إنسان.

ثم جهدوا في تنوير العقول بمباديء الحكمة، وتعريف الإنسان كيف يملك إرادته، أي حريته في أفكاره، واختياره في أعماله، وبذلك هدموا حصون الاستبداد، وسدوا منبع الفساد.

ثم بعد إطلاق زمام العقول، صاروا ينظرون إلى الإنسان بأنه مكلف بقانون الإنسانية، ومطالب بحسن الأخلاق، فيعلمونه ذلك بأساليب التعليم المقنع، وبث التربية التهذيبية.

واتبع الحكماء السياسيون الأقدمون، الأنبياء، عليهم السلام، في سلوك هذا الطريق، وهذا الترتيب، أي: بالابتداء من نقطة دينية فطرية، تؤدي إلى تحرير الضمائر، ثم بإتباع طريق التربية والتهذيب بدون فتور، ولا انقطاع.

ويرى الكواكبي أن: الاستبداد مفسد للدين في أهم أقسامه، أي الأخلاق، وأما العبادات منه فلا يمسها لأنها تلائمه في الأكثر، ولهذا تبقى الأديان في الأمم المأسورة عبارة عن عبادات مجردة صارت عادات، فلا تفيد في تطهير النفوس شيئا.

والدين في نظر "الكواكبي": هدى يرى في الإنسان الملكات الطيبة والخيرة، خاصة "الإرادة الحرة"، التي بلغ من حرص "الكواكبي" على ترتيبها، وتقويتها، وصلاح شأنها، حد حكايته أنه قد "قيل: "لو جازت عبادة غير الله، لاختار العقلاء عبادة الإرادة" وهي المملكة التي ينسب الكواكبي للأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، أنهم "اجتهدوا في تنوير العقول بمبادئ الحكمة، وتعريف الإنسان كيف يملك إرادته، أي: حريته في أفكاره، واختياره في أعماله".

وعن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: "من أعان ظالما على ظلمه.. سلطه الله عليه". و"لا شك في أن إعانة الظالم تبتديء من مجرد الإقامة في أرضه"، كما يقول. ويذهب - حسبما نقل عمارة - إلى أن: "التهاون في الدين ناشيء من الاستبداد، وأن العافية المقصودة هي الحرية السياسية".

ثم يمضي "الكواكبي" فيقول: "لبسطاء الإسلام مسليات أظنها خاصة بهم، يعطفون مصائبهم عليها، وهي نحو قولهم: الدنيا سجن المؤمن.. المؤمن مصاب.. إذا أحب الله عبدا ابتلاه.. هذا شأن آخر الزمان.. حسب المرء لقيمات يقمن صلبه".

ويعلق على هذه "العقائد" المضرة، فيقول: "يتناسون حديث: "إن الله يكره العبد البطال"، والحديث المفيد: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، ويتغافلون عن النص القاطع المؤجل قيام الساعة إلى ما بعد استكمال الأرض زخرفها، وزينتها.

ويروي من ولاية عمر بن عبد العزيز (62 - 101هـ / 681 - 720م)، أنه صادر أموال بني أمية المغتصبة من المسلمين، وردها جميعا إلى بيت المال، كثروة عامة، ففزع وجوه أسرته إلى عمته: "فاطمة بنت مروان" لتحدثه في ذلك.

فأجابها عمر بقوله : "إن الله تعالى بعث محمدا رحمةً - لم يبعثه عذاباً - إلى الناس كافة، ثم اختار له ما عنده.. فترك لهم نهرا، شربهم فيه سواء، ثم ولى أبو بكر فترك النهر على حاله، ثم ولى عمر فعمل على عمل صاحبه، فلما ولى عثمان اشتق من ذلك النهر نهرا، ثم ولى معاوية فشق فيه الأنهار، ثم لم يزل ذلك النهر يشق منه "يزيد" و "مروان" "وعبد الملك"، "وسليمان" حتى أفضى الأمر إليَّ، وقد يبس النهر الأعظم، ولن يُروى أصحاب النهر حتى يعود النهر الأعظم إلى ما كان عليه"، وفق قوله، رضي الله عنه.

وهذا القول يحدد معالم المعركة التي ينبغي على الأمة أن تخوضها الآن، وأن تجعلها معركتها، وهي أن تعود إلى النهر الصافي للإسلام، وأن تعمل بتعاليمه وشرائعه القويمة، وأن تلزم نفسها بها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف