الأخبار
محمد فتحى
في العضل .. ناس ذوق ذوق ذوق الصراحة
(1)

هذه حكاية رواها صديقي المبدع المخرج السوري محمد بايزيد.. يقول بايزيد: «منذ قليل روي لي أحد الأصدقاء قصة طريفة حدثت معه في المزة 86 حيث تقع إحدي أسواق المسروقات التي يأخذها الشبيحة من بيوت المواطنين ويبيعونها بأبخس الأثمان.. أخبرني أنه سأل عن ثمن شاشة LCD ثلاثين بوصة فأخبره أنها بـ ١٠٠ دولار، احتج الرجل علي غلائها فأخبره أنها بـ٥٠ دولارا.. احتج كذلك، فأخبره أنه إذا أراد فلديه شاشة صغيرة يمكن أن يبيعها له بـ 25 دولارا ولكنها لها زر واحد فقط للأسف.. وافق الرجل فإذا بالشبيح يخرج له جهاز «آي باد»!! خبأ الرجل ضحكته وسأله: أين ريموت هذه الشاشة؟! ارتبك الشبيح وقال له: لا أدري.. انظر إلي هذه الريموتات واختر ما يناسبك منها، تأملها صديقي ليقاطعه الشبيح وهو يعطيه جهازاً: «يمكن هذا.. فهو يشبهه.. ولكنه برز واحد أيضاً!»، تأمل صديقي الجهاز ليتفاجأ بأنه «آي فون»!!!

(٢) حدث هذا معي شخصياً قبل عامين تقريباً. رددت علي هاتفي فإذا ببنوتة لطيفة مسئولة عن اللجنة الثقافية في أسرة بإحدي كليات جامعة إسكندرية، وبعد سلامات وكلام جميل قالت لي: «إحنا محتاجينك في ندوة، ومحتاجين مساعدتك تتواصل مع ناس عايزين نجيبها الندوات». قلت لها: تحت أمرك طبعاً. اكتبي لي أسماءهم وابعتيهم لي إيميل وهبعتلك أرقامهم واللي أعرف أكلمه منهم هكلمه» وفعلاً البنت أرسلت الرسالة وفيها الأسماء. الأديب الكبير بهاء طاهر.. ماشي.. ولو أنه قد يكون في جنيف أو أن صحته لن تساعده علي الذهاب لندوة في إسكندرية. إبراهيم عبدالمجيد.. ده راجل إسكندراني ومحترم ومبدع كبير ولا أعتقد أنه سيرفض. عمر طاهر.. يا سلام.. عمر بيحب التواصل مع الناس وكاتب كبير، وله جمهوره. إبراهيم عيسي.. ماشي.. ممكن أبلغه ولو أني عارف أنه مشغول وهيكبر دماغه. يوسف إدريس.. هه؟؟ عبدالوهاب مطاوع.. نعم؟؟ أستاذ توفيق الحكيم!!!!!!!!!!!!!!!!!! وكتبت البنت: «ويا ريت يا ريت لو حضرتك توصلنا بالأستاذ إحسان عبدالقدوس لأن كان معانا رقم ابنه محمد وضاع!!» أرسلت لها معتذراً عن الندوة الخاصة، ومعتذراً عن أي شيء، ودعوتها لأن تكون أهلاً للجنة الثقافية. غضبت ولم تفهم، وحين واجهتها بجهلها غضبت أكثر، وقالت لي بثقة: سأراجع معلوماتي لأن يبدو أن حضرتك بتتريق عليّ!! في اليوم التالي أرسلت لي رسالة اعتذار شديدة الدماثة، وأكدت لي أن في الأمر خلط وخطأ غير مقصود، ودعتني لنسيان الماضي، وطلبت مني رقم د. نبيل فاروق أديب الشباب المعروف، ود. أحمد خالد توفيق رائد أدب الرعب في مصر، ثم ختمت رسالتها: «ولو ما فيهاش رخامة، وما فيهاش تعب لحضرتك.. نمرة الأستاذ نجيب محفوظ الأرضي لأنهم قالولنا ماعندهوش موبايل»!

(٣) فجأة تجد نفسك في السماء. الملائكة شخصياً أمامك ينادون من الكشف علي الأسماء في ترتيب، تسمع اسماً مشابهاً لاسمك لكنك لا ترد. يدخل الجميع الجنة؛ لأن ربنا، سبحانه وتعالي، رحمن رحيم. تسأل عن حكمة ذكر النار ما دام الجميع يدخلون الجنة، فيردون عليك بأن الحكمة هي التخويف، فإن كان الجميع يعلمون بأمر النار وتُرتكب كل هذه الموبقات والشرور والجرائم والحروب والكوارث، فما بالك لو علموا بأنه ليس هناك نار؟ فجأة ينتبهون إليك ويسألونك: لماذا لم تدخل فتكتشف أن اسمك لم يأت. يراجعون الأسماء وقد أدركوا المصيبة، فيجدون اسماً مشابهاً، ويعرفون أنه ليس أنت، وأن عزرائيل قبض روحك ظاناً أنه أنت. لا شيء سيعيدك إلي الحياة مرة أخري. قُضي الأمر. يعتذر إليك عزرائيل. يصير صديقك. يحكي لك عن قصة حبه لإحدي الحور العين. يستأذنك أن تحل محله فتصبح نائب عزرائيل، بينما يذهب لمقابلتها. تقبض الأرواح بإذن الله، وتتلبس بعض الأجساد أحياناً وتحلم بأن تقبض أرواحاً بعينها؛ لأن أصحابها ولاد ٦٠.....! تظل هكذا حتي نهاية الرواية التي كتبها يوسف السباعي في الأربعينات وتسأل نفسك: ماذا سيحدث لو كانت هذه الرواية صدرت الآن؟.. هذه مناسبة جليلة إذن لكي نذكر بسجن زميلنا أحمد ناجي بسبب (رواية) كتبها، بينما الأرواح إياها لازالت موجودة

(٤) ينظر المصريون للدين أصلاً باحترام، ويعتبرونه (يسر) مش (عسر)، ومن أسباب الحياة وليس من طرق الموت وكره العيشة واللي عايشينها. حتي سعادتك لو لم تكن متديناً و«مابتركعهاش»، فإن صلاة الجمعة هي الموعد الذي تحافظ عليه مهما كانت العوائق والوسوسات، ستدخل إلي محل عصير القصب فتجد صاحبه قد كتب علي حوائطه «وسقاهم ربهم شراباً طهوراً».. ستذهب إلي ترزي فتجده يعلق الآية الكريمة: «وكل شيء فصلناه تفصيلاً»، ستدرك أن الحانوتي يتفاءل بالآية الكريمة: «كل من عليها فان»، وستندهش حين تجد النتيجة التي علقها الفكهاني مكتوباً عليها «وفاكهة وأبًّا»، ومن المؤكد أنك ستنتبه في المرة القادمة وأنت تشتري الفراخ من الفرارجي الذي كتب «ولحم طير مما يشتهون». صحيح أنك تعطي الشاي للموظف الذي يفتح درجه وأنت تطبق في يدك ورقة بخمسة، لكن هذا لا يمنع الموظف نفسه من وضع الآية الكريمة: «وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون» علي مكتبه، ولا يمنع الحرامي المختبئ من الشرطة أو الطالب الذي يغش في الامتحان من أن يتمتموا بمنتهي الخشوع «فأغشيناهم فهم لا يبصرون». إذا ألقي بك حظك المنيل -لا قدر الله وبعد الشر- إلي أحد المستشفيات الحكومية، ستجد الآية: «وإذا مرضت فهو يشفين» في كل مكان، وهي الآية التي تجعل الطبيب مطمئناً وهو يخبرك: «إحنا عملنا اللي علينا لكن الحاجات دي بتاعة ربنا.. شد حيلك»، وفي بعض المطاعم تجد «وكلوا واشربوا»، لكنك أبداً لا تجد «ولا تسرفوا»، ما أريد أن أقوله يا صديقي إن الإسلام موجود.. بس احنا اللي «مسلمين صيني».. لذلك أشعر بأن الآية التي تتسق مع ما يحدث في مصر هي قوله تعالي: «كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب». الرحمة من عندك يا رب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف