الوطن
نشوى الحوفى
«ريجينى» المالطى
لماذا نعيد قراءة التاريخ؟ لأن فى التاريخ العبرة والفكرة ويكرر أخطاءه دوماً من لا يقرأه. واليوم أجدنى بصدد حادثة يتصاعد استغلالها ضد مصر بنفس منطق أحداث كانت بمثابة مسمار جحا لاستغلال بلادى. أتحدث عن قضية الشاب الإيطالى -المجهول لغالبية المصريين- «جوليو ريجينى» الذى عثر عليه مقتولاً بعد تعذيبه فى أحد طرق القاهرة فى فبراير الماضى. فتجميع مشاهد القضية يثير التساؤلات حول ما يحدث لذا دعونا نعرضها بهدوء لندرك غياب الكثير من التفاصيل.

يتم الإعلان عن الحادث يوم الخميس 3 فبراير فى وقت زيارة لجنة اقتصادية إيطالية لمصر لبحث التعاون بين البلدين، تتوتر الأجواء ويبدأ البحث عن الجناة، يسارع نشطاء من حزب الدستور على رأسهم خالد داود لعمل وقفة يوم السبت 5 فبراير أمام السفارة الإيطالية ينددون فيه بقتل الداخلية المصرية للشاب الإيطالى المجهول لعامة الشعب! من أين لهم بالمعلومة قبل حتى إعلان بيان الطب الشرعى؟ يتولى الطب الشرعى المصرى والإيطالى تشريح الجثمان ويثبتان تعذيب وضرب الضحية قبل قتله. يبدأ الجهل الإعلامى المصرى -مؤيد ومعارض- بشكل يثير الاشمئزاز فى قضية كان علينا توخى الحكمة فى التعامل معها وبخاصة فى ظل الغموض المحيط بها وتأثيرها على العلاقات مع إيطاليا. تخطئ الداخلية فى التعامل إعلامياً مع القضية ويتوالى نشر المعلومات من الإعلام الإيطالى بشكل يجعل الداخلية المصرية فى موقف الدفاع فى تهمة يرفضها المنطق. تتوالى الأحداث ليصدر البرلمان الأوروبى فى مارس الماضى بياناً يطالب فيه مصر بالتعاون مع الجانب الإيطالى فى كشف غموض مقتل «ريجينى»، ويتهم مصر بأنها صاحبة سوابق فى القتل والاختفاء القسرى والاعتقال، وهى نفس الاتهامات التى يرددها الإخوان وعبدة التمويل بالنص!

تصدر الداخلية المصرية بيانها منذ أسبوعين عن ضبط ومقتل عصابة قامت بسرقة عدد من الأجانب وعثر معهم على جواز سفر «ريجينى»، تشارك لجنة تحقيق إيطالية فى التحقيق فى القضية، ويشكل النائب العام المصرى لجنة جديدة للتحقيق فى الأمر. يزداد الضغط علينا فى الإعلام الإيطالى بنشر الصحف صورة «ريجينى» متصدرة قائمة من المختفين أو من يدعون قتلهم لإثبات الجرم علينا، ينتهى الموقف بتصريح وزير الخارجية الإيطالى يوم الثلاثاء بأن إيطاليا قد تتخذ إجراءات ضد مصر بسبب تلك القضية، وترد مصر بأن هذه التصريحات تعقد الموقف ولا تحله.

أتوقف لأعود للتاريخ الذى يحكى لنا عن واقعة المصرى والمالطى التى انتهت باحتلال بريطانيا لمصر وقت اندلاع الثورة العرابية، تقول أحداثها إن مشاجرة وقعت يوم 11 يونية 1882 بين مالطى من سكان الإسكندرية مع صاحب حمار مصرى بسبب الخلاف على أجرة ركوب الحمار بينهما، وانتهت المشاجرة بضرب المالطى للمصرى بمطواة وهروبه لتشتعل الإسكندرية بأحداث عنف لا يعرف أحد مصدرها ليومنا هذا، فى الوقت الذى كان الأسطول الإنجليزى بقيادة الأميرال سيمور ينتظر على أعتاب الإسكندرية أى فرصة لاحتلالها للقضاء على «عرابى» وثورته، وهو ما حدث بدعوى حماية الأقليات الأجنبية بها من المصريين.

وما بين قضية ريجينى وقضية المالطى ملامح علينا تذكرها لإيجاد الإجابة عن تساؤلات قد تمنحنا فهماً لأبعاد القضية. أولاً: ما مصلحة الداخلية المصرية فى قتل ريجينى حتى لو كان كما يقولون على صلة بنشطاء سياسيين فى مصر؟ ألم يكن من الأفضل ترحيله إن كان هناك ما يستدعى ذلك؟ فرضاً قامت الداخلية بقتل ريجينى كما يرى البعض، ألم يكن بمقدورها إخفاؤه أو دفن جثمانه فى أى مكان؟ ثم أين نشطاء السياسة فى مصر من قضية المواطن المصرى عادل معوض المُختفى فى إيطاليا منذ خمسة شهور بعد خلافه مع صاحب العمل مع عجز الشرطة الإيطالية عن إعلان تبرير واحد لاختفائه؟ وأين الإخوان من بيانات البرلمان الأوروبى وحقوق الإنسان؟

أعلم أخطاءنا وأسلوب تعاطينا غير المتوازن فى بعض الأحيان مع قضايانا المهمة، ولكن علينا فهم ما يحاك حولنا وضدنا لندرك أن بالقضية أبعاداً تسعى لزيادة الضغط علينا فقط لأننا قلنا: «لا».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف