الوطن
محمد صلاح البدرى
الخارجية.. وفن تسويق المواقف!
يحتاج الأمر فى كثير من الأحيان إلى التفكير قليلاً قبل اتخاذ موقف معين مع أو ضد ما تسمعه وتقرأه فى وسائل الإعلام.. فالتضليل قد أصبح كلمة السر دوماً.. والحكومة أصبحت لا تستطيع تسويق مواقفها حتى ولو كانت سليمة وإيجابية!

أتحدث هذه المرة عن الموقف المصرى من قرار مجلس الأمن الأخير بشأن الاعتداءات الجنسية من قوات حفظ السلام الدولية على المدنيين.. ربما قد سمعت عنه.. لم تسمع؟ إذن دعنى عزيزى القارئ أعرض عليك الصورة كاملة وربما أنجح!

الأمر يتعلق بمشروع أمريكى تم تقديمه لمجلس الأمن لإصدار قرار لإدانة الاعتداءات الجنسية التى يتهم فيها أفراداً من قوات حفظ السلام الدولية -التى تشارك فيها معظم الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة- وتحديد آليات لعقاب المتورطين من أعضاء البعثات المختلفة.

إلى هنا والأمر لا نقاش حوله.. فمن الذى سيرفض قراراً بهذا الشكل؟.. حساسية الأمر وارتباطه بانتهاكات لحقوق المدنيين تحديداً يجعله غير قابل للنقاش..

ولكن القرار قد صدر بموافقة أربع عشرة دولة من أعضاء مجلس الأمن.. وامتناع دولة واحدة.. لقد كنا نحن تلك الدولة!

الصورة تم تصديرها بهذا الشكل الذى يدين النظام المصرى حتى الثمالة.. بل ويجعلنا فى وضع دولى وإقليمى أقل ما يقال عنه إنه مُزرٍ.. حتى إن الغالبية العظمى من شلة المدافعين الدائمين عن النظام فى وسائل الإعلام المحلية لم تتطرق إلى الموضوع من الأساس.. ومن تحدث عنه لم يحمل دفاعه عن الموقف المصرى إلا عبارات من عينة «المهم كدنا أمريكا»..

الكارثة أن الموقف المصرى كان مشرفاً بالفعل.. والخارجية المصرية ربما لم تقدم نصراً دبلوماسياً بهذا الحجم منذ فترة بعيدة.. هل تصدق هذا؟!

أعرف أنك ستتهمنى بالتدليس والنفاق.

أكره أن تكون على خطأ هذه المرة يا صديقى.. فلتهدأ قليلاً وسأشرح لك الموضوع!

الفكرة ببساطة أن القرار كان ينزع صلاحيات متعددة من الجمعية العامة للأمم المتحدة -التى تضم كل الدول الأعضاء بحقوق وواجبات متساوية- ليضعها فى يد الأمين العام وحده.. ومن خلفه مجلس الأمن -الذى يخضع لاختلال فى موازين القوة بين الدول الأعضاء الدائمين وباقى الدول- مما يخل بحقوق معظم دول العالم وخاصة النامية منها لصالح الدول الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن..

فالقرار يتضمن أن يملك الأمين العام وحده سلطة تقدير جدية التحقيقات التى تجريها الدول مع أفراد بعثاتها المتورطين!.. بل ويجعله يتمكن من استبعاد دول بعينها من القوات.. الأمر الذى ينبغى أن يظل من سلطة الجمعية العامة وحدها!

باختصار إنها بلطجة دولية تمارسها الحكومة الأمريكية.. ومحاولة لنزع صلاحيات مهمة من الجمعية العامة لتصبح فى يد مجلس الأمن الذى تسيطر عليه الدول الخمس الكبرى بصورة كاملة!

الموقف المصرى كان مشرفاً منذ بداية المفاوضات حول القرار.. الدبلوماسية المصرية قد أبلت بلاء حسناً فى تعديل أكثر من فقرة به قبل عرضه للتصويت.. ولكن فشلها فى تعديل فقرات أخرى جعلها تمتنع عن التصويت حتى لا يحصل القرار على قوة الإجماع المنشودة..

كما أنه قد بعث برسالة قوية بأن مصر لن تلعب دور الكومبارس أثناء فترة عضويتها فى مجلس الأمن التى ستستمر إلى ما يقرب من عامين من الآن!

الطريف أنه على الرغم من أن الموقف المصرى -كما رأيت-كان مشرفاً.. إلا أن الفشل فى تسويقه إعلامياً سواء على المستوى الدولى أو المحلى.. جعل الكثيرين ينتقدونه بشدة خلال الأيام الماضية.. وجعلنى أستمر فى المطالبة مرات ومرات بأن ننتبه إلى آلتنا الإعلامية خارجياً وداخلياً.. فنحن لا نحتمل أى إخفاقات أخرى.. إحنا مش ناقصين!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف