كانت الزاوية صاخبة بعد صلاة العصر. فقد دأب «الإخوة» -كما يطلق «طارق» ورفاقه على أنفسهم- على جمع الأطفال فيما يشبه الكتّاب فى الفترة من العصر حتى صلاة المغرب. كان البعض يتولى تحفيظ الصغار سوراً من القرآن، والبعض الأحاديث، والبعض يلقنهم سيرة الرسول، والبعض يعلمهم آداب الإسلام فى الحديث والطعام ودخول المرحاض. وتم تقسيم الزاوية بستارة إلى ركن للأخوات وركن للإخوة، حيث يلقن الأولاد دروسهم فى ركن الإخوة، والبنات فى ركن الأخوات!.
- «طارق»: والجنة يا أولاد فيها ما لذ وطاب!.. كل الأطايب.
- أحد الأطفال: يعنى يا أستاذ فيها برتقال وبطيخ؟!.
- طفل ثانٍ: لا يا عبيط فيها تفاح وموز!.
- طفل ثالث: متى ستصرفون لنا الوجبة يا أستاذ؟! هل ستكون سندويتشات أم بسكويت؟!.
- أحد الإخوة: آه يا أبناء الأفاعى. نفعيون مثل آبائكم وأمهاتكم.
كانت الوجبة أحد طقوس مدرسة تحفيظ القرآن التى أنشأها الإخـوة، حيث كانت تصرف للأطفال تحفيزاً لهم على المجىء إلى الزاوية، بالإضافة بالطبع إلى الجوائز الأخرى التى كانت تتمثل فى المستلزمات الدراسية بصورة أساسية، حتى تتحلب شفاه الآباء والأمهات على إرسال أطفالهم إلى الزاوية بهدف خفض النفقات. أما الطقس الثانى فيتمثل فى الزى الرسمى. وهو عبارة عن جلباب قصير وبنطلون وطاقية من نفس اللون بالنسبة للأولاد، فيما يشبه الثوب الوطنى للباكستانيين. وبالنسبة للبنات كان جلباباً طويلاً وخماراً، فيما يشبه حجاب الناضجات. يسير الأطفال الذكور فى طابور من وإلى الزاوية، وخلفهم تسير إناثهم، فى مظاهرة طفولية كانت تثير إعجاب أهالى السبيل ويقابلونها بالتهليل والتكبير!.
أما تمويل مصروفات مدرسة تحفيظ القرآن فقد تولى تدبيرها الإخوة الذين يعملون فى الخليج، حيث كانت الجماعة تفرض على كل منهم أن يوجه نسبة من دخله لتمويل أنشطة الجماعة. يضاف إليها الاشتراكات التى يدفعها الإخوة الذين يطيقون ذلك. ومن خلال هذا التراكم المالى كان يتم تمويل أنشطة الجماعة، ومن بينها مدرسة تحفيظ القرآن بزاوية السبيل.
وقد تولى جمع وتربية إخوة السبيل منذ البداية الدكتور عادل صلاح، علمهم الكثير من أمور دينهم فى الجلسات التى كان يعقدها معهم كل يوم خميس فى الزاوية. ناهز الدكتور عادل الثلاثين بخمس سنوات. غائر العينين.. لا تستطيع استكناه مشاعره منها!. من هذا الصنف من البشر الذين يصعب معرفة خريطتهم الداخلية من عينيهم. جسم متوسط الطول والقوام، تميل بشرته إلى السمار، يزيد من حدته الذقن السوداء الكثة، ونظارة تهيل غموضاً أكثر على عينيه.
- عادل صلاح: أيها الإخوة بدأت الدعوة فى مكة سراً بالأقربين إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دعا زوجته خديجة، وابن عمه على بن أبى طالب. ومولاه زيد بن حارثة. ثم دعا أهل مكة، فالعرب، فالعالم أجمع. وهكذا ينبغى أن نسير حتى تعلو كلمة الله فى الأرض.
- «طارق»: وهل يمكن للإسلام أن يشق طريقه من جديد بالدعوة بالكلام فقط؟!. إن ما نقوله للناس فى أيام يهدمه التليفزيون فى لحظات!.. الناس مفتونون بالحياة من حولهم!.. لا بد من جهاد هؤلاء الذين يخدعون الناس ويلعبون بعقولهم ويصرفونهم عن دينهم إلى دنياهم.