بوابة الشروق
عبد اللة السناوى
مصريون وسعوديون: الرهانات المتقاطعة
ماذا تريد السعودية من مصر؟

وماذا تريد مصر من السعودية؟

سؤالان جوهريان فى صلب زيارة العاهل السعودى «سلمان بن عبدالعزيز» إلى القاهرة.

المصارحة بالحقائق من مقتضيات تأسيس أية علاقة صلبة وقادرة على مواجهة عواصف التحديات فى أكثر أقاليم العالم اشتعالا بالنيران.

لكل دولة رهاناتها التى تعكس شواغلها وأولوياتها.

الرهانات قد تتسع دوائرها وتتأكد أهدافها إذا ما عرف كل طرف ما يطلبه الآخر بالضبط.

الكلام الدبلوماسى عن «تطابق المواقف» يصعب تقبله فى العلاقات بين أية دولتين مهما جمعتهما أواصر مشتركة ومصالح متبادلة.

إذا كان الأمر على هذا النحو من التطابق فما معنى وصف زيارة العاهل السعودى بأنها «نقلة نوعية» تزيل أى توتر مكتوم فى طبيعة العلاقات ومستواها.

الزيارة «استثنائية» بالنظر إلى طول مدتها، خمسة أيام متصلة، واتساع برنامجها لنقاشات موسعة فى أزمات الإقليم وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم اقتصادية وإطلاق جامعة تحمل اسم الملك فى جنوب سيناء وإلقاء خطاب فى مجلس النواب لأول مرة فى تاريخ ملوك الأسرة السعودية.

غير أن ما هو «استثنائى» يتوقف عند هذه الحدود ولا يتعداها إذا لم تتم المصارحات الواجبة بين الأشقاء.

فى النهاية العبرة بالنتائج العملية وما يلحقها من تداعيات على الأرض فى معادلات الإقليم.

بقدر التفاهمات واستجاباتها لرهانات كل طرف تتأكد القدرة على بناء مسارات جديدة أكثر ثباتا.

الشواغل المصرية يغلب عليها ما هو اقتصادى على حساب ما هو استراتيجى.

ورغم أن الفصل بين الاقتصادى والاستراتيجى فى بلد مثل مصر يقارب الأوهام إلا أن الأولويات مفهومة بالنظر إلى الأوضاع الصعبة فى الأسواق.

بحكم الجغرافيا السياسية لا يمكن الاستغناء عن مصر فى أية حسابات دولية أو إقليمية ولا بوسع مصر أن تنعزل عما حولها.

بكلام أوضح: الموقع المصرى هو أفضل مدخل لأى استثمار اقتصادى.

زيارة الرئيس الفرنسى «فرانسوا أولاند» المتوقعة فى منتصف أبريل الحالى، مصحوبا بنحو (٥٠) من كبار رجال الأعمال ومديرى الشركات الكبرى، تندرج تحت هذه النظرة.

هناك تداخل لا يمكن إغفاله بين «الاستثمار الاقتصادى» و«الاستثمار الاستراتيجى».

الأول، ينشط المصالح الاقتصادية الفرنسية.. والثانى، يوفر قاعدة نفوذ وتأثير فى معادلات الإقليم.

وزيارة نائب المستشارة الألمانية «انجيلا ميركل» فى توقيت مقارب، مصحوبا بوفد اقتصادى مماثل، تندرج بدورها تحت نفس النظرة.

بقدر حيوية الدور الإقليمى وقدرته على الحركة والمبادرة والتأثير تتزايد فرص جذب الاستثمارات الأجنبية التى يحتاجها الاقتصاد المنهك لكى يتعافى.

وبقدر تحسين ملف حقوق الإنسان والحريات العامة فإن الحواجز تزاح أمام احتمالات ضخ استثمارات جديدة دون إحراجات للحكومات الغربية أمام رأيها العام.

السعودية تحاول على طريقتها «الاستثمار الاستراتيجى» فى مصر من مدخل «الاستثمار الاقتصادى».

أجواء الزيارة ترفع سقف التوقعات فى مستويات الاستثمار والمساعدات التى تقلصت بعد رحيل الملك «عبدالله بن عبدالعزيز».

القضية ليست شخصية، فالملك «سلمان» تربطه علاقات خاصة بالعاصمة المصرية منذ أن زارها فى الرابعة عشر من عمره للعلاج وارتبط بعدد كبير من «قوتها الناعمة».

على النحو نفسه تربط الرئيس «عبدالفتاح السيسى» علاقات مماثلة بالعاصمة السعودية التى عمل فيها ملحقا عسكريا.

ما الحسابات التى استدعت فتورا والتباسا فى طبيعة العلاقات؟

وما الحسابات الأخرى التى استدعت اقترابا جديدا حميما بين البلدين؟

سؤالان جوهريان آخران الإجابة عليهما تساعد فى دعم أية رهانات على بناء علاقات استراتيجية راسخة.

الحديث مجددا عن ضخ استثمارات سعودية كبيرة فى شرايين الاقتصاد المصرى هو حديث فى الاستراتيجية قبل أى شىء آخر وتعبير عن حاجة ملحة إلى مساندات مصرية على مسارح الإقليم وأزماته المتفاقمة.

لا شيئا مجانيا فى العلاقات بين الدول.

هذه حقيقة لا يصح نسيانها.

الشواغل السعودية إقليمية حيث تنخرط فى الأزمات السورية واليمنية وبدرجة أقل فى العراقية وعلى نحو آخر فى اللبنانية.

رهاناتها على علاقة استراتيجية مع مصر فيه إدراك لأهمية تلك العلاقة فى تعظيم المكاسب الإقليمية وتقليل أية خسائر محتملة وأنه لا يمكن استبدال مصر بأى حليف آخر مثل تركيا.

التحالف مع مصر يعنى بالضبط إلهام العالم العربى أن هناك أملا فى التماسك والحفاظ على الحد الأدنى من حقوق الأوطان التى تهدمت.

أرجو أن تكون الحقائق واضحة فى فهم مغزى توقيت زيارة العاهل السعودى.

بصورة لا يمكن إنكارها، اللاعبون الإقليميون الكبار كلهم مأزومون أمام تحديات وتحولات تنذر بتغييرات راديكالية محتملة فى موازين القوى وخرائط النفوذ إذا ما تم إقرار تسوية سياسية ما للأزمة السورية بتوافق أمريكى روسى.

تركيا مأزومة فى حربها المزدوجة مع «داعش» و«حزب العمال الكردستانى».

وجودها كدولة موحدة على المحك إذا ما نشأت دولة كردية تقتطع قطاعا لا يستهان به من أراضيها وكتلتها السكانية.

وإيران مأزومة رغم الانفراجة الاستراتيجية التى حازتها بموجب اتفاقها النووى مع الدول الغربية، فتوسعها الإقليمى فوق طاقتها «على الهضم» فى أية حسابات تنظر للمستقبل المنظور.

والسعودية مأزومة ولديها مخاوفها من تحولات السياسة الأمريكية التى قد تتخلى عن حليفها الإقليمى الأكثر ارتباطا عبر العقود والرئاسات.

لم تخف انزعاجها من تصريحات الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» لمجلة «ذى اتلانتيك» التى بدت خشنة إلى درجة غير معتادة فى النظر إلى الحليف السعودى.

الصحفى الأمريكى «جيف جولدبرج» الذى أدار الحوار المطول مع «أوباما» يستعد فى هذه الآونة لإصدار كتاب جديد مع صعود رئيس جديد للبيت البيضاوى عن السياسات الأمريكية فى الشرق الأوسط منظورا إليها عربيا.

كتابه يدخل من ضمن موجة مراجعات أمريكية فى مراكز الأبحاث والتفكير دون أن تستقر على وجهة معروفة.

ذلك يقلق السعودية ومصر بدرجة أقل وكلتاهما تحتاج الأخرى بفداحة لإثبات الحضور والقوة.

وفق سلم الأولويات السعودية فإن اليمن أولا وثانيا وعاشرا حيث خاصرتها الجنوبية.

رغم انفتاحها على الحوار مع «الحوثيين» للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة اليمنية إلا أنها تدرك بصورة أو أخرى أن إيران سوف تستمر فى مناكفتها الاستراتيجية فوق جبال اليمن الوعرة.

لن يترك طرف جائزة لآخر مجانيا.

أكثر الاحتمالات ترجيحا أن كل شىء سوف يظل معلقا حتى يجرى التوصل إلى تسويات متزامنة لأزمات الإقليم كلها.

بالقرب من أية تسوية محتملة للأزمة السورية تحاول السعودية ترميم أية فجوات مع مصر وإزالة أية توترات مكتومة.

بذات القدر تحاول خفض التوتر بين القاهرة وأنقرة حتى يتسنى لها أن تكون فى وضع استراتيجى أفضل عند لحظة مواجهة الحقيقة.

المعضلة الحقيقية فى توصيف الدور وطبيعته ودرجة الشراكة بالتسويات المحتملة.

الكلام كله يحتاج إلى مصارحة تحترم مصر وأوزانها التاريخية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف