الأهرام
ابراهيم فتحى
التحول الرأسمالى فى الصين والأزمة العالمية
تجمعت غيوم الأزمة الاقتصادية الداكنة فى كل مكان من العالم الغنى بسرعة مذهلة. وحتى وقت قريب كان الاقتصاد الصينى الضخم الأسرع نموًا يعتبر فى مأمن من تلك العدوى إلى حد كبير، بل لقد عبر متفائلون فى الصين عن إمكان أن هذه السوق الهائلة مع سوق هائلة أخرى هى السوق الهندية فى اقتصاد حديث تكون فى دول اتبعت سياسة الحياد الإيجابى يمكن أن تسهم فى تقديم القاطرة التى تستطيع إخراج العالم من ركوده الاقتصادي.

والآن فإن الشعور المسيطر على العكس من ذلك هو الخشية من أن الأزمة العالمية ستجذب الصين والهند معها إلى أسفل محدثة بطالة ضخمة. فالهند هى مأوى أربعين فى المائة من أطفال العالم سيئى التغذية، وانخفضت الصادرات بمقدار 12 فى المائة، وخرجت مئات من شركات النسيج الصغيرة من السوق. وكفت شركات من نجوم الصناعة الهندية فى السنوات الأخيرة عن الإنتاج، وخفض البنك المركزى الهندى فى هذا العام تقديره للنمو الاقتصادى إلى 7,5 فى المائة وقد يخفضه فى السنة القادمة إلى 5,5 فى المائة. وهذا التقدير هو الأكثر انخفاضًا منذ عام 2002.

وتحتفل الصين هذه الأيام بالعيد الثلاثين لبدء سياسة تسميها سياسة «اشتراكية السوق» و«الإصلاح والانفتاح» ونمو اقتصادها إلى متوسط سنوى مقداره 9٫85 فى المائة، وهى السياسة التى مارستها الصين بعد وفاة ماو تسى تونج، حيث تم تقسيم الأرض الزراعية المملوكة جماعيًا واللجوء إلى عدد كبير من الاستثمارات الأجنبية والسماح للمشروعات الخاصة بالانتشار. والصين مأوى لخمس سكان الأرض وجمهوريتها الشعبية انتشلت من الفقر المدقع مائتى مليون من المواطنين. وأعلنت الصين التخلى عن سياسة الطفل الواحد لكل أبوين وهى سياسة فرضت بعد وفاة ماو تسى تونج.

وقد صدر كتاب بالانجليزية عنوانه «الرأسمالية الحمراء. الأساس المالى الهش لصعود الصين غير المعتاد» لاثنين من المؤلفين هما كارل والتر وفريزر هاوي. ويشير المؤلفان، وهما خبيران مصرفيان عملا فى الصين فى مجال تسويق أسهم الشركات المملوكة للدولة فى البورصة العالمية، إلى أنه بعد ما يزيد على ثلاثين سنة من التحول الرأسمالى ومع معظم الأنشطة الاقتصادية التى يحركها السعى وراء الربح، فإن القليلين سيجادلون فى أن الاقتصاد الصينى الآن رأسمالى بالكامل. وقد قيل أحيانًا إنه رأسمالية ذات خصائص صينية. فى البداية جاءت فى الثمانينيات رأسمالية المقاولين حيث تدفع النمو دينامية المشروع الخاص الريفى و الشركات المساهمة ومعظمها مشروعات خاصة متنكرة. وتبعتها منذ بواكير التسعينيات رأسمالية تقودها الدولة ذات مشروعات كبيرة تملكها الدولة تحل محل القطاع الخاص وتستهدف الربح. وتفيد عملية تحقيب عهد ما بعد ماو تسى تونج لأنها تسلط الضوء على سمات حيرت خبراء الاقتصاد السياسى خلال بحثهم عن بديل تقدمى للرأسمالية الأنجلوسكسونية. ومن تلك السمات لا مركزية الصناعات فى الريف الذى اعتبرها البعض نموذجًا حيًا لاشتراكية برودون يتحقق فى الصين بينما اعتبرها آخرون نموذجا لمجتمع السوق دون رأسمالية واستغلال. لكن هونج كو فونج أستاذ علم الاجتماع فى جامعة جونز هوبكينز يعتبر أن فترة التحول الانتقالى كانت مؤقتةوليس من المضمون إعادة إنتاجها.

من ناحية أخرى، تحولت الصين إلى الاستثمار فى الخارج. فقد نشرت وزارة التجارة الصينية أن التدفق السنوى للاستثمار المباشر الصينى فى أفريقيا ارتفع ثمانية أضعاف بين 2005 و2014، ووصل إلى 3٫2 بليون دولار، ونما مجموع الاستثمارات الصينية عشرين مرة بمقدار 32 بليون دولار مما جعل الصين من أكبر مستثمرى أفريقيا. وبالإضافة إلى ذلك ارتفعت المساعدة الصينية فى تمويل مشروعات البنية التحتية التى تقوم بتنفيذها شركات صينية.ورغم المبالغات فى تقدير المشروعات الصينية فى أفريقيا، فإن صعوبات جمة تعترضها مثل التى واجهت الاستثمارات الغربية من بيروقراطية واضطراب سياسي، وضعف البنية التحتية كغياب الطرق والكهرباء فى تلك الدول.

ولا تتبع الرأسمالية الصينية التى لا أحمر فيها غير الشعار الرمزى للحزب الشيوعى الحاكم تخطيطًا موجهًا، ولا تنتمى إلى أية نماذج اشتراكية ولا تسير تلقائيًا نحوها، فهى تؤدى إلى فوارق ضخمة بين المنتجين المباشرين والسادة البيروقراط الذين يمتلك بعضهم الملايين. وتفسر كتابات مختلفة الطريق المتعرج للرأسمالية فى الصين بطرق مختلفة، فبعضها يفسره بصعود طويل لرأسمالية تقودها الدولة منذ التسعينيات إلى الحاضر. ويعتقد بعض المحللين أن الفترة ما بين 1992 و2003 كانت فترة رأسمالية دولة حسنة، أما ما بعد 2003 فقد تحولت إلى رأسمالية دولة رديئة، رأسمالية المحاسيب.

ولا يعتقد فونج أن اختلاف المرحلتين يرجع إلى طبيعة رأسمالية الدولة فى الصين ولكن إلى علاقتها بالرأسمال العالمي. ففى الفترة الأولى خضعت الصين للرأسمال العالمى ولكنها فى المرحلة الثانية أصبحت أكثر استقلالاً وتحديًا وازدادت دعاوى الشركات الغربية بالتعرض للمضايقة من قبل السلطات الصينية.ولا يزل التنافس على الموارد بين القطاع الخاص الموجه إلى التصدير للخارج والقطاع الصناعى المملوك للدولة والمتوجه نحو الداخل قائمًا. وينعكس هذا الجدال فى الحوار السياسى بين ممثلى الطرفين بينما لا يبدو أن العمال يمثلون قوة سياسية فاعلة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف