ناصر عراق
الخلل اللعين في قضية ريجيني المسكين
استدعت إيطاليا سفيرها من مصر. قطعت روما أمس محادثتها مع الوفد المصري الذي ذهب ليناقش نتائج التحقيقات في قضية الشاب الإيطالي المقتول جوليو ريجيني. هدد رئيس الوزراء الإيطالي باتخاذ إجراءات قاسية ضد الحكومة المصرية إذا لم تظهر الحقيقة. انهمرت التعليقات والتوقعات في المواقع الإلكترونية ومواقع الفيسبوك تندد بغباء المسؤولين. الارتباك سيد الموقف في القاهرة!
بكل تأكيد، فإن الذين عذبوا ريجيني وقتلوه وألقوا جثته على مشارف القاهرة في مطلع فبراير الماضي لم يكونوا يتخيلون أن الأمور ستتفاقم إلى هذه الدرجة، وهنا يكمن الخلل الجوهري في إدارة شؤون مصر المحروسة!
للأسف الشديد، لا يدرك أصحاب القرار لدينا أن العالم في عام 2016 غير العالم في سنة 2000 أو حتى في 2010، وأن كل يوم يمر يكتسب الرأي العام العالمي المزيد من القوة في مواجهة الطغيان والاستبداد، أما التعذيب فتلك قضية لا يمكن أن يقبل بها المجتمع الأوروبي في القرن الحادي والعشرين بأي حال من الأحوال!
في مصرنا المحروسة تفتقد أجهزة الأمن الكفاءة المطلوبة في كل شيء تقريبًا، مثلها مثل بقية المؤسسات التي طالها العطب، والتي سيطر عليها محدودو الكفاءة فاقدو الضمير، فكيف تطلب أن يتميز عمل أجهزة الأمن بالجدية والمهارة والإتقان بينما الإهمال واللا مبالاة والفوضى هي العناوين الصائبة لبقية الأجهزة والمؤسسات والوزارات في مصر طوال أكثر من أربعة عقود؟
في الصحة كما في التعليم، في الري كما في المواصلات، في الإسكان كما في الإعلام، التراجع مخيف، فهل يعقل أن لا تتأثر أجهزة الأمن بهذا التراجع؟ إنها جزء من منظومة خربة استحوذت على السلطة والمال في بلدنا منذ زمن السادات حتى الآن، فماذا تنتظر منها؟
في تقديري أن الحكومة المصرية لن تقدم المجرم الحقيقي وراء مقتل ريجيني إلى العدالة، لأنها بذلك ستضطر إلى الاعتراف بأنها قد تكون المسؤول الأول عن هذه الجريمة، وهو أمر لن تحتمله الطبقة التي تحكمنا منذ أربعين سنة ورجالها في السلطة، وإذا كانت والدة ريجيني قد أعلنت (عذبوه وقتلوه كما كما لو كان مصريًّا)، فإنها بذلك تؤكد ما يعرفه الجميع في الداخل والخارج بأن أجهزة الأمن المصرية لا تحترم حقوق الإنسان المصري على الإطلاق، لكن لم يتخيل أحد أن غباء هذه الأجهزة سيدفعها إلى التعامل مع ريجيني الإيطالي بوصفه (مصريًّا) سيتعرض للتعذيب والقتل ولن يحاسبها أحد!
المضحك والمبكي في آن أن السيناريوهات الخمسة التي قدمتها وزارة الداخلية بشأن مقتل ريجيني اتسمت كلها بالخفة و(الاستهبال)، الأمر الذي يؤكد أن الكفاءة معدومة في طريقة التعذيب والقتل كما في طريقة السيناريو والإخراج!
حقًّا... مسكين يا ريجيني... ومسكين يا شعبنا العزيز!