حرك السناتور الجمهوري ليندسي جراهام المياه الآسنة في السياسة الأمريكية وأعلن بعد عودته مع وفد الكونجرس من زيارة لمنطقة الشرق الأوسط أن مصر ودولا أخري تحتاج إلي مشروع يحاكي »خطة مارشال« التي دفعت بمليارات الدولارات إلي شرايين الاقتصاديات الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية لإعادة البناء والإعمار وترك ميراث الدمار والخراب وراءها. عاد جراهام وهو يترأس لجنة المخصصات حول المساعدات الخارجية من جولة شملت مصر وتركيا والسعودية وإسرائيل محملاً بأفكار كثيرة وحاملا رسائل قلق من زعماء في المنطقة حيال السياسة الأمريكية بعد انتخابات الرئاسة القادمة واحتمال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب المتقدم للسباق في حزبه حتي اللحظة. يؤيد جراهام، وهو من أقطاب المعسكر التقليدي في الأغلبية الجمهورية، المرشح تيد كروز وسبق أن دعم جيب بوش الذي سقط سريعا في مفاجأة لم يستوعبها التيار الرئيسي للجمهوريين وبدأ معه القلق من مستقبل السياسة الأمريكية تجاه حلفاء تقليديين في الشرق الأوسط وعندها كان لابد من رحلات استكشافية لمعرفة ما يدور في دول تواجه جماعات إرهابية تتمدد بشكل مثير للدهشة وتحاول تغيير خريطة المنطقة. تنصب أفكار الجمهوريين اليوم حول إمكانية وجود خطة طويلة الأجل لتحقيق الاستقرار في الدول الهشة والفاشلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ظل التحديات الخطيرة المستمرة للأمن في المنطقة والتي تتطلب، بحسب السناتور الديمقراطي كريس كونز عضو اللجنة، الاستثمار في اعادة الاستقرار من خلال ضخ موارد إضافية في العام المقبل وإجراء حوارات موسعة للوصول إلي صيغة ما.
يعلم جراهام أن مهمة إقناع المشرعين بخطة أكبر لدعم اقتصاديات الشرق الأوسط ليست سهلة، فهناك أصوات تري أن لاشيء بلا مقابل وعلي الولايات المتحدة أن تقايض علي معادلة أمنية جديدة مع الحكومات التي تواجه الإرهاب في المنطقة، وهناك من يري أن خطة مارشال في أوروبا نجحت لأنها قامت بتمويل عملية إعادة بناء اقتصاديات كانت بالفعل تعمل بشكل جيد. يقول جراهام إنه يريد بدء محادثات حول المساعدة في بناء المؤسسات في الدول التي أضيرت من الحروب الداخلية ومواجهة ميليشيات الإرهاب ومن البرامج المقترحة تعزيز التعليم والديمقراطية وحقوق المرأة باعتبارها سلاحا مضادا للإرهاب، وقدم السناتور المعروف بعض التفاضيل من افكاره بالقول إن الخطة ستمكن بلدا مثل مصر من الحصول على قروض بأسعار فائدة أقل واتفاقيات تفضيلية في التجارة مع تعزيز دور المجتمع المدني.
في الأحوال العادية، يكون ما يقوله جراهام محل تقدير وامتنان لكن هناك بعض المخاوف من «عصا مارشال» في الشرق الأوسط لأنها ربما تأتي علي أوضاع لا تروق للولايات المتحدة بشكل عام وربما لا يتحمس لها المشرعون والبيت الأبيض تحت قيادة جديدة في يناير المقبل دون إملاء شروط بعينها تتضمن مطالب بعمليات دمج ما يسمونهم في واشنطن القوي المعتدلة في الحركات الإسلامية مثل جماعة الإخوان .وفي ظل أوضاع تتراجع فيها موازنات دول الخليج يكون تمويل مشروعات البناء في دول مضارة من الحرب علي الإرهاب ومن فوضي السنوات الخمس الماضية مسألة مشكوك في حجم تمويلاتها وجدواها خاصة أن الولايات المتحدة نفسها لن تكون متحمسة لبرنامج واسع النطاق دون تحقيق مصالح مباشرة أو استعادة زمام المبادرة في الشرق الأوسط علي خلفية التطورات في سوريا واليمن وليبيا خاصة وأنها مازالت الدولة المتحكمة في عملة التداول العالمية (الدولار) وفي سوق التمويل من المؤسسات الدولية. تجارب فوضي تمويل المجتمع المدني وربط واشنطن دعمها لبرامج التنمية والتحديث بترك المجال مفتوحا أمام مؤسسات ومنظمات أمريكية تعمل بحرية في دول بعينها أدي إلي خلق مناخ غير موات لفتح الأبواب علي مصاريعها في المرحلة المقبلة ولو كانت الولايات المتحدة جادة لمساعدة اقتصاديات الشرق الأوسط لتوقف الحديث قليلا عن «تسييس» البرامج السابقة والتركيز علي دعم الإصلاح المالي والاقتصاد الكلي وتكثيف برامج التعليم حتي تقف تلك المجتمعات علي أقدامها وتنهي حالة الفوضي العارمة في بعض الدول قبل الحديث عن شروط بعيدة عن الواقع الفعلي في بلدان الشرق الأوسط.
عدسة الكونجرس تري المصالح الأمريكية الخالصة في المقام الأول وهو أمر لا يعيب المجلس التشريعي الأقوي في العالم ولكنه يفرض أسئلة كثيرة عن تلك الزيارات المتتالية للمنطقة والعودة بأفكار متنوعة عن الأوضاع هنا وهناك وما تخفيه جعبة واشنطن في السنوات القادمة والتي ربما تري الخطر ماثلا بعد زحف موجة الإرهاب علي غرب أوروبا لكن دروس التاريخ تقول إنه لا يوجد دعم مجاني ولا يكفي الحديث عن نوايا طيبة.