الأهرام
مجدى يوسف
عامل مصرى وباحث إيطالى!
يحتفل الآن المجلس الأعلى للثقافة بمرور أربعمائة عام على مولد الكاتب العالمى شكسبير . ولعل الكثيرين لا يعلمون أن عبقرية هذا الكاتب نبعت من ثوريته بإزاء العلاقات الإقطاعية التى كانت لا تزال طاغية فى عصره الذى تمخض عن صعود الفرد والفردية من خلال الطبقة التجارية الميركانتيلية التى رفعت شعار : دعه يعمل دعه يمر . فثورة الأدب والشعر التى تمثلت فى مسرح شكسبير أساسها ثورة مجتمعية على التراث المهيمن حتى ذلك الوقت فى مختلف الأقطار الأوروبية ، حسب التطور الداخلى لكل منها ، بدءا من القرن الرابع عشر ، وما عرف بعصر النهضة هناك . ولعل مسرحية „مأساة هاملت“ لشكسبير مثالا واضحا على ثورته على نمط الإنتاج السائد حتى وقته ، وتمرده الشعرى والمسرحى عليه . فالأسئلة التى يطرحها على هاملت لا تخص شخصه ، وإنما النظام الذى يمثله . ومن هنا كانت صيحة شكسبير المأثورة: هذا هو السؤال ؟

ولو أن شكسبير كان بيننا الآن فأى الأسئلة كان سيطرحها على واقع الإنسانية المؤسى فى هذه المرحلة الهابطة من تاريخها المعاصر ؟ وهو بوصفه شاعرا ومؤلفا مسرحيا لعله كان سيجسد هذه المأساة فى صورة ضحيتين من إيطاليا ومصر ، أحدهما مصرى عامل مهاجر هناك ، والآخر إيطالى دارس فى مصر . الأول يلجأ للقضاء الإيطالى لينصفه فى الحصول على حقه من صاحبة العمل الإيطالية ، فيختفى فجأة قبل نظر دعواه بوقت وجيز ، ولا يعثر له على أثر على مدى ما يزيد على الخمسة شهور ، ولعل مختطفيه قد واروه التراب منذ أمد بعيد . وقد عجز الأمن الإيطالى عن أن يعثر له على أية أثر مما يبين مدى „تخصص“ مافيا أصحاب الأعمال فى إيطاليا ، وصحتها مافيا رأس المال الكبير ، فى التفوق على الجهاز الرسمى لأمن الدولة هناك . ومن الواضح هنا حرص رأس المال هناك على لى ذراع القانون السائد نفسه كى يحقق أعلى معدل للربح على حساب العاملين لديه وبأى الطرق بما فيها تصفية من يقف فى طريقه . لكن إذا أردت أن تثبت ذلك رغم وضوحه فعليك أن تأتى بالأدلة الدامغة . وهى لن تحصل عليها لأنها فى يد من اختطف عماد معوض . فكيف له أن يسلمها إليك وقد عجز الأمن الرسمى الإيطالى عن العثور عليه وتقديمه للعدالة؟

أما الحالة الثانية فهى لدارس إيطالى نابه ، سبق له أن تردد على أكثر من جامعة أوروبية ، من بينها جامعة كمبريدج ، واختار موضوعا للدكتوراه يتعلق بوضع النقابات العمالية فى مصر فى ظل إحكام القبضة الأمنية الحالية كرد فعل لحوادث الإرهاب . ومن الواضح أن كل ما يترتب على إضعاف النشاط النقابى المدافع عن حقوق العمال يساعد على تعظيم أرباح رأس المال لاسيما الكبير . ومن ثم فالكشف عنها، لا سيما فى رسالة علمية كتلك التى كان يقوم بها ذلك الطالب الإيطالى ، يمكن أن يترتب عليه النيل من الأرباح المترتبة على إضعاف تلك النقابات العمالية . وهنالك من الشركات الخاصة ما يقوم برفت العامل لمجرد التحاقه بنقابة عمالية تدافع عن حقوقه . وقد أحس ذلك الطالب الإيطالى بالعيون تتبعه وتتهدده فى محاولته التعرف على حالة تلك النقابات العمالية فى مصر ، مما جعله يبعث بمقال له لجريدة إيطالية قبيل اختطافه واغتياله راجيا إياها أن تنشر المقال باسم مستعار . لكن بعد أن أذيع خبر اغتياله نشرته باسمه مبينة مخاوفه التى تجسدت بالفعل فى جثته .

وإذا كان „اقتصاد السوق“ هو الحاكم فى كل من إيطاليا ومصر ، فهل من الصعب أن ندرك العلاقة السببية بين اختفاء معوض واغتيال ريجينى كصورة لتوحش آليات تلك السوق ضد العاملين المنتجين من ناحية ، والمستحوذين على عرقهم بأبخس سعر ممكن وخارج إطار القانون الرسمى من الجانب المقابل؟ وها هم عمال البناء الذين يتساقطون ليلقون حتفهم كل يوم من فوق صقالات لا أسوار لها، وحين يسقطون من فوقها لا يتحمل صاحب العمل أية مسئولية بإزائهم.

هذا هو السؤال الذى كان سيطرحه شكسبير لو أنه عاش اليوم بين جنبينا : هنالك رائحة عطنة فى مصر وإيطاليا ، وفى الدانمارك أيضا إن شاء ، طالما أن اقتصاد السوق يترك على هواه ليعصف بمصالح الشعوب فى هذه المرحلة التاريخية الهابطة من تاريخ البشرية ..

وعلى النيابة العامة أن تواجه زميلتها فى إيطاليا بهذه الحقيقة . فليس أيهما أفضل حالا من الآخر فيما يتعلق بحقوق الإنسان الذى يعيش من عرقه وليس من استغلال عرق الآخرين ، بينما يترك الحبل على غاربه لمن يسفك دماء سواه من البشر كى يعظم أرباحه الفلكية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف