محمد الدسوقى رشدى
«فخفخينا» الهم الشعبى المشترك
(1) (إذا الشمس غرقت فى بحر الغمام، ومدت على الدنيا موجة ظلام ومات البصر، فى العيون والبصاير، وغاب الطريق، فى الخطوط والدواير، يا ساير يا داير، يا أبوالمفهومية، مفيش لك دليل، غير عيون الكلام).
رحم الله أحمد فؤاد نجم وعمنا الشيخ إمام.
(2) شمس المصريين الآن غارقة فى بحر من الضباب والارتباك والغضب والحزن، كوكتيل يسميه فرغلى بتاع العصير «فخفخينا» ونسميه نحن كوكتيل «هم» متجدد من بئر لا تنضب، بئر تسمى سوء التصرف والارتباك وعداوة حق الشعب فى المعرفة وسوء إدارة الأزمات.
تقول الأسطورة:
قوة أى دولة أو حكومة أو نظام تكمن فى إدراكه لقوة سلاح اسمه الشفافية، ونحن فى مصر نعتبر الشفافية ترفاً ورفاهية، فعلاً من أفعال المكملات لا الضروريات، بل يرى بعض المسئولين أن المطالبين بالشفافية وحق الناس فى تطعيمها المتواصل بالمعلومات محاولة للتفرنج أو الفرنجة وتقليد الغرب، بينا يرى جزء آخر من أهل المسئولية أنهم يعرفون أكثر والشعب غير مؤهل بعد للاطلاع على المعلومات التى تخص أرضه وثرواته وموقف دولته، بينما يظن جزء ثالث من أهل السلطة أن الشعب طالما صدق على وجوده فى صندوق الانتخابات لا بد أن يسلمه الدفة منفرداً دون سؤال أو وضع علامة استفهام.
تقول الأسطورة أيضاً:
إن قوة أى حكومة تكمن فى إدراكها لقوة الثانية الواحدة كمقياس زمنى فاعل فى العملية السياسية، بمعنى أن كل تأخر ولو لمدة ثانية واحدة فى طرح المعلومة على الرأى العام ومشاركة الشعب فى هموم الدولة سيسهم فى خلق مساحات متضاعفة من الفراغ تنتشر فيها التخمينات والمعلومات المغلوطة وتجعل من مهمة الدولة فيما بعد مستحيلة فى طرح وجهة نظرها وأفكارها، فكيف تطلب من الناس أن تصدق بيانك الذى يأتى غالباً مقتضباً بعد أن امتلأت أرضهم بكل ما يساعد على التشكيك.
(3) بعد 48 ساعة كانت قناة العربية السعودية وكل صحيفة سعودية تعرف فيها تفاصيل زيارة الملك سلمان وقضية ترسيم الحدود البحرية، بينما لم يحصل المواطن المصرى على معلومة واحدة قد تساعده حتى على التماسك وهو يسمع خبراً من الجانب السعودى يقول بأنه سيتم الاتفاق بخصوص إعادة جزيرتَى صنافير وتيران.
فى ساعات صمت الدولة المصرية كنا نتشبع بالغضب، ونحن نرى معلومات تخص دولتنا وقد نشرت من مكان آخر، وكأننا كشعب لا أهمية لنا فى تلك المعادلة، وكانت الغضبة أبشع ونحن نرى الأمر يخص أرضاً تقول كتب المناهج الدراسية إنها مصرية، ولذا كان الطبيعى أن يرتفع مستوى التشكيك فى بيان الحكومة، الذى قالت فيه إن التوقيع على اتفاق تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية يمكن الدولتين من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما بما توفره من ثروات وموارد تعود بالمنفعة الاقتصادية عليهما، وإن الرسم لخط الحدود بناءً على المرسوم الملكى والقرار الجمهورى أسفر عن وقوع جزيرتَى صنافير وتيران داخل المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية.
وأكد البيان أن الاتفاق جاء بعد عمل شاق وطويل استغرق أكثر من 6 سنوات، انعقدت خلالها إحدى عشرة جولة لاجتماعات لجنة تعيين الحدود البحرية بين البلدين، آخرها ثلاث جولات منذ شهر ديسمبر 2015 عقب التوقيع على إعلان القاهرة فى 30 يوليو 2015.
(4) 6 سنوات من مناقشة قضية مهمة دون أن يعرف المصريون أى شىء عن القضية، وطالما أهملت شعبك فى البداية سيهملك هو فى النهاية، تلك كانت الأزمة أم الفاجعة الخاصة بقضية الجزيرتين فما زال فى العمر بقية طويلة حتى يحين موعد عرض الاتفاقية على البرلمان، خلال هذا الوقت سنملك فرصة أكبر للبحث والدراسة والاطلاع لمعرفة الحقيقة بشأن ملكية تيران وصنافير، وبشأن الوضع المستقبلى لهما.. ووقتها سيكون للكلام معنى آخر وطعم يختلف كثيراً عن الآن.