كمال زاخر
الأحزاب السياسية من الارتباك إلى التفاعل
لعلى لا أكون مغالياً إذا قلت إننا نمر بأدق المراحل المفصلية فى تاريخنا، وما يحدث حولنا وبيننا ليس عفو الخاطر، ولا رمية بغير رامٍ، ونحتاج إلى قراءة متبصرة بعقل بارد لفسيفساء اللوحة التى ما زالت تكتمل، ولا يكفى معها التسلح بالتفاؤل، أو دعم الثقة فى إدارة البلاد، أو تجديد التأكيد على حاجتنا لتوحيد الصفوف، فاللحظة هى وليدة تراكمات صنعتها عقود طويلة كادت سنواتها أن تقترب من القرن.
صحيح أننا استكملنا المؤسسات الدستورية وفق خارطة الطريق التى توافقنا عليها بعد 30 يونيو 2013، انتخاب رئيس الجمهورية، ووضع دستور جديد، وانتخاب وتشكيل برلمان جديد، لكننا لم نستطع بعد الخروج من الذهنية التى كانت سائدة قبلاً، إذ بينما نطالب بالانتقال من الفرد إلى المؤسسية، تأسيساً على ما جاء به الدستور والذى أكد بنصوص واضحة الخطوط الفاصلة بين مؤسسات الدولة الرئيسية، ودفع بمزيد من الصلاحيات للبرلمان، على حساب السلطة التنفيذية وفق ما كان سائداً قبلاً، فإننا ما زلنا نطالب الرئيس بمسئوليات تقع فى دائرة القضاء والبرلمان، وعندما تصدر أحكام بها عوار أو تستند إلى نصوص لم تعد مناسبة للمد الثورى أو معاكسة لبناء دولة المواطنة، ننسى أن المواجهة ومن ثم التصحيح يقعان فى مسئولية القضاء والبرلمان، الأول (القضاء) بالمتابعة والتقويم عبر آليات التفتيش القضائى، والثانى (البرلمان) بمراجعة القوانين ذات الصلة وتصويبها وسن ما يلزم من تشريعات لملاحقة وسد الثغرات.
ولا يمكن إغفال ما اجتاح واقعنا من تطورات غير مسبوقة فى تقنيات التواصل المعرفى ونقل المعلومات والأخبار والآراء بما يخرج عن السيطرة، والملاحقة، وهو أمر جيد وإيجايى، لكنه أيضاً فتح كل الأبواب لموجات التشكيك ودس المعلومات والأخبار التى فى أقلها تفتقر للدقة وفى كثيرها توظف فى الصراع السياسى بشكل ملتوٍ، ونجد الإعلام، خاصة المرئى منه، وقد خضع فى غالبيته لقواعد السوق وتغوله، مع خفوت المهنية والمصداقية، صار رقماً عصياً ومعوقاً فى معادلة مواجهة التحديات والخروج من النفق الذى طال، وبفعل ضعف الحياة الحزبية الناتج عن مشاكل التكوين واختلالات الهيكلية سواء أحزاب ما قبل يناير ويونيو أو التى جاءت بعدها وبسببها، صار الإعلام البديل الشعبوى للأحزاب فضلاً عن تحوله إلى حالة احتراب وملاسنة تخلت عن أبسط قواعد الحوار إلا قليلاً.
وما أظن أن المجتمع والشارع ومن ثم الوطن يمكنهم احتمال هذا الوضع طويلاً، دون أن نفاجأ بانفجارات غضب قد لا نستطيع تحجيمها أو مواجهتها، وهو أمر لا تعالجه إجراءات احترازية، أو أمنية، أو تشديد العقوبات أو غيرها، خاصة مع إخفاقات العديد من الأجهزة والمؤسسات فى إدارة ما يواجهها من أزمات على أصعدة مختلفة، ويعمق الأزمة حالة التربص الحادة التى يغذيها كل من أضير من ثورتى يناير ويونيو، والصراعات الإقليمية والدولية، التى ما زال أقطابها يرون فى مصر حجر عثرة لمخططاتهم. الكرة فى ملعب الأحزاب، باعتبارها المحملة بإدارة الاختلاف وتسييس الصراع، لحساب الوطن من خلال التنافس الصحى للمشاركة الفاعلة فى مسئوليات الحكم بحسب ما جاء بقانون الأحزاب، لذا أدعو إلى أن تبادر الأحزاب الكبيرة بالدعوة إلى مؤتمر قومى حزبى يطرح أزمة الممارسة ومعوقاتها، سواء فى التشريعات المنظمة لها، أو كشف العراقيل التى تواجه العمل الحزبى بين الجماهير على الأرض بمكاشفة ومصارحة، وتفعيل النصوص التى تمنع قيام أحزاب على أساس دينى أو بأيديولوجية دينية ومواجهة الالتفاف المخادع عليها، ودعم الشباب فى تكوين أحزاب تعبر عن رؤيتهم وتطلعاتهم.. فهل من مجيب؟