مؤمن الهباء
شهادة - أمريكا وإسرائيل والأسد
تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التي يتراجع فيها أمام بشار الأسد بمناسبة الذكري الرابعة لانطلاق الثورة السورية لم تكن مفاجئة ولم تكن الأولي من نوعها.. البعض تصور أن حديث الوزير الأمريكي عن استعداد بلاده للتفاوض مع بشار يمثل تحولا عن مقولة الولايات المتحدة الشهيرة بأن "الأسد فقد شرعيته ويجب عليه أن يرحل".. لكن الحقيقة أن حديث كيري ليس فيه أي تحول.. فقد عودتنا الولايات المتحدة علي هذا الموقف المتأرجح مع بشار.. مرة مع المفاوضات.. ومرة لا مفاوضات.. حسبما تقتضي الظروف.. ليس في ذلك أية مفاجأة.
وقد أعطي كيري نفسه تفسيرا سريعا لما ظنه البعض تحولا.. إذ قال في تصريحاته تلك إن واشنطن كانت تصر منذ بداية الأحداث في سوريا علي مبدأ التفاوض والانتقال السلمي السياسي.. وظهور عدو مشترك الآن - يقصد داعش - قد يكون خفف من موقف الغرب تجاه الأسد.
حسنا.. أمريكا الآن مع التفاوض مع الأسد.. وقبل ذلك كانت ضد التفاوض مع الأسد وتقول إنه فقد شرعيته ويجب أن يرحل.. وقبل ذلك كانت مع التفاوض.. وبعد فترة ستكون ضد التفاوض.. وهي في كل الأحوال ليس لها موقف مستقل من الأزمة السورية.. وإنما هي شريكة إسرائيل في استراتيجية ثابتة وواضحة تقضي بألا تكون هناك نهاية قريبة للحرب في سوريا.. وإنما يجب أن تترك الأطراف جميعا لتظل قادرة علي الصمود والاستمرار حتي يقضي بعضها علي بعض نهائيا.
الاستراتيجية الأمريكية - الصهيونية تعمل بجد علي كل الجبهات لكي لا ينتصر طرف علي الآخر.. ولا تحسم الحرب قريبا.. وإنما تظل مستمرة.. حتي لا يبقي في سوريا غير الخراب والدمار.. ولا يأتي من سوريا أي تهديد لإسرائيل إلا بعد 50 عاما أو يزيد.. سوريا هي الهدف وليس بشار ولا داعش ولا المعارضة.. كل هذه الأطراف مجرد أدوات لتدمير الدولة السورية.. وللأسف نجحت هذه الاستراتيجية الخبيثة حتي الآن.. ومازالت تسجل نجاحات كبيرة.
تشددت أمريكا من قبل مع بشار.. واستخدمت كل الوسائل للضغط عليه حتي تأكدت من أنه تخلص فعلا من السلاح الكيماوي الذي كان بحوزته وصار لا يمثل أي تهديد لإسرائيل.. رغم أن بشار لم يجرؤ علي استخدام هذا السلاح في يوم ما ضد إسرائيل رغم استفزازاتها المستمرة.. ورغم وصول الطيران الإسرائيلي فوق قصر الرئاسة.. وإنما استخدم هذا السلاح مرات ومرات ضد شعبه.. وهذا أمر يحسب له عند أمريكا ولا يحسب عليه.
واليوم تدخل الثورة السورية عامها الخامس ولا تبدو هناك نهاية قريبة للحرب رغم التكلفة الباهظة التي دفعها الشعب السوري علي مدي السنوات الأربع الماضية. الثورة انطلقت في 15 مارس 2011. والتي بلغت 220 ألف قتيل و5 ملايين لاجئ بالخارج و7 ملايين لاجئ بالداخل.. بينما تجاوزت الخسائر الاقتصادية 300 مليار دولار.. كما تعرضت البنية التحتية خلال سنوات الصراع إلي دمار كبير مما أدي إلي نقص حاد في الكهرباء والمياه وحتي المواد الغذائية في المناطق المحاصرة.
ووفق المرصد السوري الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له فإن نحو 13 ألف سوري قتلوا تحت التعذيب داخل معتقلات النظام السوري ومازال عشرات الآلاف معتقلين في سجن الحكومة وكثيرون آخرون مفقودين.. ولا يكاد يمر يوم دون أن يقوم طيران بشار بغارات علي المناطق الخاضعة للمعارضة لتدميرها تماما وتسويتها بالأرض.
وكانت قوات الأسد قد منيت بعدة هزائم متتالية في مواجهة مقاتلي المعارضة عند بدء النزاع.. لكنها تمكنت من إحراز بعض التقدم بفضل الدعم الحاسم من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني.. وتسيطر الآن هذه القوات علي 40% من الأراضي السورية.
ولا شك أن صعود داعش أدي إلي تغيير الأولويات علي المستوي الدولي.. وأعطي نظام بشار قبلة الحياة.. لكن حسم المعركة لصالحه. أو لصالح خصومه. لايزال بعيدا.. المطلوب الآن فقط مزيد من الدمار والخراب إلي ما لا نهاية.