المساء
مؤمن الهباء
شهادة -حيوا هذا الرجل
هناك أكثر من سبب يجعلني أطالب بتوجيه تحية إعزاز وتقدير إلي هذا الرجل الذي اعتذر عن عدم الاستمرار في العمل رئيسا للوحدة المحلية بقرية كفور نجم التابعة لمركز الإبراهيمية بمحافظة الشرقية.. وقدم التماسا بذلك للمحافظ.. لأنه يرغب في العمل كحلاق بالصالون الخاص به حتي يتمكن من تقديم الرعاية الكاملة لوالدته "قعيدة الفراش" التي فشل في رعايتها كما يجب بسبب ضعف راتبه الحكومي.
لقد هزني هذا الموقف الذي قام به الأخ محمود سليمان.. وأظنه هز كثيرين ممن اطلعوا علي قصته.. ويعرفون طرق الفساد في المحليات التي كان بمقدوره أن يسلكها ويحقق من ورائها مغانم مادية غير محدودة.. لا شك أن الرجل اختار موقفا يحمل معاني الكرم والنبل.. لذلك أدعوكم لأن تحيوه معي.. فقد قدم لنا نموذجا إيجابيا راقيا في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل وانقلبت فيه الموازين.. وأخشي أن يتوه هذا الموقف النبيل وسط زحام الأحداث التي نعيشها.
يقول الأخ محمود سليمان إن منصب رئيس الوحدة المحلية يحتاج إلي واجهة اجتماعية وتكاليف إضافية هو في غني عنها.. لقد بدأ حياته العملية عام 2002 وكان راتبه الشهري ما بين 150 و175 جنيها.. وفي عام 2015 صدر له قرار بتعيينه سكرتيرا للوحدة المحلية بقرية "مباشر".. وفي 2016 صدر قرار من المحافظ بتعيينه رئيسا للوحدة المحلية بقرية كفور نجم براتب شهري 1200 جنيه.
ونحن جميعا نعرف أن كثيرين يسيل لعابهم لهذا المنصب ليس بسبب راتبه الشهري وليس بسبب الوجاهة الاجتماعية التي يضفيها علي صاحبه.. وإنما بسبب الفرص التي يتيحها للاستغلال والتربح أمام ضعاف النفوس.. والأبواب التي يفتحها للكسب غير المشروع لمن يريد.. وقد كان فساد المحليات في عهد مبارك قد وصل للركب علي حد تعبير رئيس ديوانه زكريا عزمي.. أما الآن فقد ازداد منسوب الفساد ووصل إلي الحلقوم.
هناك ممن يتبوأون المناصب في المحليات من لا ينفقون مليما علي طعامهم وشرابهم ونفقات معيشتهم.. وتسدد تكاليف هذه النفقات من بند الهدايا والاكراميات التي يقدمها المحبون وما أكثرهم.. ناهيك عن الرشاوي المالية والعينية التي يقدمها أصحاب المصالح وما أكثرهم.. لكن الرجل ضرب صفحا عن ذلك كله.. واختار أن يكون حلاقا ويأكل حلالا ويعالج والدته بمال حلال بدلا من أن يكون رئيسا للوحدة المحلية ومأكله حرام ومشربه حرام.
يؤكد سليمان انه فور توليه منصب رئيس الوحدة قدم التماسا للمحافظ يطالبه فيه بإعفائه من منصبه.. نظرا لأن المنصب الجديد يحتاج إلي واجهة اجتماعية وتكاليف زائدة علي طاقته.. وأنه غير قادر علي تلبية متطلبات الوظيفة.
هذه الصراحة يجب أن تحترم.. وتقابل بالإكبار والتقدير.. فالرجل لم يجد أي غضاضة في أن يعمل حلاقا.. لأن دخل الحلاق أكبر من دخل رئيس الوحدة المحلية.. وفي ذلك إعادة اعتبار للمهنة الشريفة أيا كانت.. وسوف يبارك الله عز وجل في كل قرش يأتي من هذا الطريق الحلال.. ولعل الله يجعل من هذا المال الحلال سببا في شفاء والدته "قعيدة الفراش".
هذا رجل عالي النفس.. كريم التربية.. بار بأمه.. يتحري الحلال في رزقه.. لا نزكيه علي الله.. لكنه يستحق منا جميعا التحية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف