من المحتمل أن تكون صنافير وتيران بالفعل سعوديتين، وأذكر من طفولتى أننا كنا ندرس فى كتاب التاريخ بالمرحلة الابتدائية أن جزيرة تيران سعودية، وسمعت والدى رحمة الله عليه يقول بعد احتلال إسرائيل للأراضى العربية فى عام 1967، بأن مصر احتلت تيران، وإسرائيل أخرجتها منها، رغم ما أعتقده وأتذكره فالمؤكد أن المملكة لا تمتلك وثيقة تثبت ملكيتها للجزيرتين، وأن ما بين أيديها، وقامت الخارجية المصرية بنشر بعضه، مجرد خطابات لا ترقى لمستوى الوثيقة، ولا يعتد بها من الناحية القانونية.
قرأت المكاتبات التى نشرتها وزارة الخارجية المصرية عن جزيرتى تيران وصنافير، ومعظمها خطابات متبادلة بين الخارجية السعودية ونظيرتها المصرية، لا تتضمن اتفاقية واحدة أو أوراقًا تثبت ملكية، المكاتبة الوحيدة التى يعتد بها كوثيقة تاريخية، هى اتفاقية ترسيم الحدود المصرية عام 1906، ونتناولها بشكل مفصل فى السطور التالية، أما خطاب السفير الأمريكى إلى وزارة خارجية بلاده بأن مصر احتلت جزيرتى صنافير وتيران، مثلها كخطابات ويكليكس التى سربت منذ سنوات، تدخل فى باب الاجتهادات والرأى الشخصى للسفير، يغلب عليه الظن، ولم يعتمد فيه على وثيقة تؤكد ملكية الجزيرتين للسعودية، أو مذكرة تقدمت بها المملكة لمجلس الأمن أو غيره تشتكى فيها مصر بسبب احتلالها الجزيرتين، بمعنى أن ما كشفت عنه الخارجية المصرية تحت مسمى وثائق إثبات ملكية للمملكة، هى مجرد خطابات تصطنع وتختلق واقعًا على الأرض ليس له سند قانونى سابق.
وبالنسبة لاتفاقية عام 1906، فهى تتناول، كما هو واضح من بنودها، ترسيم حدود على الأرض ولم تتطرق لتعيين الحدود البحرية، وقد حفظ لنا التاريخ مصدرين أساسيين يمكن الرجوع لهما، وهما شهادة نعوم شقير المترجم بالمخابرات الإنجليزية، حيث تم تعيينه سكرتيرا للجنة المصرية التى وضعت مع اللجنة التركية الاتفاقية بعد ترسيم الحدود، وقد كتب شقير شهادته هذه فى كتابه عن سيناء، وذكر فيه تفاصيل ما عاينه بنفسه، كما أنه حفظ لنا فى كتابه نص الاتفاقية، إذ إنها حررت بثلاث لغات وهى التركية، والعربية، والإنجليزية، وأيضا حفظ لنا فى كتابه الخريطة التى قام برسمها مهندسان لشبه جزيرة سيناء، وتظهر فيها الجزيرتان.
والمصدر الثانى هو أحمد شفيق باشا الذى كان يعمل فى ديوان الخديوي، وقد حفظ لنا فى مذكراته(مذكراتى فى نصف قرن) نصوص المكاتبات والبرقيات التى تم تبادلها بين مصر وتركيا وانجلترا، ذكر بشكل فصل بداية الأزمة عندما أمرت الحكومة المصرية «براملى بك» مفتش جزيرة سيناء بوضع خفر من البوليس فى «النقب» منعا لتهريب الأسلحة، وقد منعه اللواء رشدى باشا قائد الحامية التركية بالعقبة، فترتب على ذلك مطالبة الحكومة للسلطان بتعيين لجنة من المصريين والأتراك لترسيم الحدود، وأغلب الظن أن الخريطة تضم الجزيرتين إلى الحدود المصرية.
نعيد ونكرر أن ما كشفت عنه وزارة الخارجية المصرية مجرد خطابات تحاول خلق واقع، واقدمها يرجع إلى عام 1988، لذا فالحكومة المصرية مطالبة بأن تقدم للشعب وثائق يعتد بها من الناحية القانونية، تعود إلى العشرينيات أو الثلاثينيات من القرن الماضي، لكى نصدق الروايات المتداولة.