هانى عسل
«تيران» و«ريجينى» .. و«الحوار المجتمعى»!
في مصر وحدها بدعة اسمها «الحوار المجتمعى».
نفتقد إلى الرأي العام الراقي السليم، ومع ذلك نتحدث عن «حوار مجتمعي»!
ثلاثة أذرع رئيسية تشكل الرأي العام «المتاح» عندنا هذه الأيام :
نخب، أو أشباه نخب، ليس لديها أي رصيد شعبي ولا مصداقية، وأكثريتها مشكوك في حيادها، وربما في كفاءتها.
وإعلام خاص يجيد «دغدغة» الجماهير والدفاع باستماتة عن مصالح ملاكه من رجال الأعمال الكبار.
ومواقع تواصل اجتماعي تدير مناقشاتها وتحركها وتحدد جدول أعمالها جهات خارجية ولجان إليكترونية بلا حسيب أو رقيب!
فهل بعد ذلك، يمكن أن نتحدث عن رأي عام أو عن حوار مجتمعي، أو عن شفافية، عند اتخاذ أي قرار؟
خذ عندك مثلا الضجة المثارة حول قضية جزيرتي «تيران» و«صنافير»، ستجد أن القضية بالأساس قضية غرف مغلقة ودوائر صنع قرار ومؤسسات واجتماعات متخصصة تعقد منذ سنوات، ولكنها ليست موضوعا صالحا للمناقشة في الشارع أو على الفيسبوك.
ولا أتصور أبدا أن «اللت» و«العجن» في هذا الموضوع حدث من قبل عند حفر نفق المانش بين إنجلترا وفرنسا مثلا، أو عند بناء جسر الملك فهد بين السعودية والبحرين، ولا في أي مشروع أكبر أو أصغر في أي بلد آخر، والسبب أنه لا يوجد شعب على وجه الأرض متفرغ للكلام و«الفتي» مثلنا!
نذكر جيدا أنه في عام 2002، اتخذ بوش قرار حرب العراق دون الالتفات إلى مليونيات شعبه، وسار على نهجه وقتها معظم قادة أوروبا، ونذكر أيضا قرار فرنسا قبل بضعة أشهر بفرض الطواريء عقب هجمات باريس، قد تم ذلك دون الرجوع إلى أحد، فقط الرئيس والحكومة والبرلمان هم المسئولون عن اتخاذ القرار. أما في مصر، فكل مواطن للأسف يرى أنه ينبغي على الرئيس والوزير والمحافظ ورئيس الحي أن يعودوا إليه ويستشيرونه ويحصلوا على إذن من «سيادته» قبل اتخاذ أي قرار ولولا أن مشروعات قناة السويس والضبعة والمليون ونصف المليون فدان والعاصمة الإدارية وبطاقات التموين الذكية نفذت بجلدها من هذا «التفعيص» المجتمعي لما رأت النور حتى الآن، فقد ابتلينا منذ سنوات بأمراض قلة العمل وكثرة الجدل والإفتاء بغير علم، وإسناد الأمر إلى غير أهله، ولم نعد نعطي العيش لخبازه .. فالخبيز والعجين الآن حق لكل مواطن!
الـ90 مليونا تركوا وظائفهم وأهليهم وعيالهم ومصالحهم، وتفرغوا تماما للحديث عن شئون الدولة التي لا يفقهون فيها، وكله بحجة أنهم «ليسو قطيعا»، ولكن الحقيقة أن معظمهم يتحرك في كل أزمة كالقطيع تماما وراء «منتجات» اللجان الإليكترونية «إياها» النشطة جدا على الإنترنت!
لا يمر علينا يوم إلا وقد تقمصنا شخصية «أبو العريف»، مرة نتحول إلى خبراء عسكريين و«نفتي» في عمليات شمال سيناء ونتحدث عما يجب وما لا يجب فعله على أرض المعركة، من منازلنا!
ومرة نتقمص شخصية المفتش «كورومبو» أو المغامر «تختخ»، ونتحول إلى خبراء أمنيين مثلما حدث في أزمة طائرة قبرص، أو في قضية «ريجيني» التي «هلكناها» بحثا وحديثا، واتهمنا أجهزتنا بأنفسنا دون دليل، وبعد أن «خربناها»، شكونا من سوء إدارة الأزمة وغياب الشفافية والمكاشفة!
والآن، تحولنا إلى خبراء في القانون الدولي وفي ترسيم الحدود البحرية، لدرجة أنني أتخيل أن كل مواطن تقريبا يسير الآن وفي جيبه «خريطة» لمنطقة المضايق والجزيرتين!
سيادة الرئيس .. حضرات السادة الوزراء والمحافظين والمسئولين والمستشارين : عفوا .. ليس لدينا رأي عام يمكن الوثوق فيه أو الرجوع إليه في أكثر القضايا، فاتخذوا قراراتكم، وامضوا في مشروعاتكم، طالما تتم في إطار الدستور والقانون، وعبر المؤسسات الرسمية، فانتخابكم لمناصبكم تفويض رسمي وشعبي لكم بالعمل.
كلمة أخيرة : مازلت مقتنعا أن عبارة «لو ما تعرفوش .. اسكتوا» هي أفضل وأهم ما قاله الرئيس حتى الآن!