الأهرام
عماد رحيم
الوزير «الفاسد»
أصبحنا ندمن الحديث عن الفساد، وعن مكوناته وكأنه واقع مفروض علينا لا مناص من مقاومته بأى سيبل، بعد أن توغل داخل يومياتنا بشكل مزر، كما اتخذ أشكالا عديدة ومسميات مبكية مثل اصطباحة، خد «اشرب شاى» وبات الأمر جزءا من النسيج السلوكى اليومى للمصريين.
أيضا أمسى الحديث عن الفساد ركنا أساسيا من دوائر الحوار بين الكثير من الناس، فتسمع أحدهم متعجبا من الحال الذى وصل إليه الفساد فى بر مصر، ليأتى الصباح وتجده يمارسه بسلاسة ويسر فى وجود ضمير مستريح سعيد بما يفعل، مستقر فى يقينه، أحقيته فى ممارسة الفساد، ولم لا وكل الظروف المحيطة به تحضه على ممارسته.

فرغم أننا جميعا نشكوه فإنه قلما وجدنا أحد الفاسدين مدانا بفساده، فقد ظهرت نغمة مهينة تقول إن هؤلاء الفاسدين، غلابة، «بياكلوا عيش» باعتبار أن الراتب الرسمى لا يكفى لشرب الماء فقط، وبالتالى فلابد من بعض «العطايا» الأخرى حتى تستقيم الحياة. وبدت استقامة الحياة للفاسدين باعوجاج فى الطريق المستقيم، هكذا تكون حياتهم.

منذ أن قامت ثورة يوليو وكان الجنيه المصرى بقيمة تفوق الثلاثة جنيهات استرلينية، وصدرت مئات القوانين المنظمة للعلاقة بين المواطن والجهاز الإدارى للدولة الذى وصل عدد العاملين فيه لأكثر من 7 ملايين موظف، حتى تسلل الفساد إلى ضعاف النفوس، وشيئاً فشيئاً تحول إلى حياة نتنفسها، والأكثر غرابة هى المبررات التى يتم إعطاؤها للدفاع عنهم مثل: أن نجد كيانا قد ترعرع وأضحى كبيراً، ثم نكتشف فساده، وأنه بُنى على فساد فيخرج علينا أحدهم ويقول إنه كيان ناجح أنهدمه من أجل فساده؟ وماذا نفعل فى هذا الكيان الكبير وحجم العمالة لديه؟.. وإلخ.

وهذه المعادلة الإنسانية هى مدخل المدافعين عن هذه الكيانات، ومردودى عليهم بسيط، ستظل المقولة القانونية الأشهر على مر التاريخ «ما بُنى على باطل فهو باطل» عنوان الحقيقة أمد الدهر، لذا السماح بوجود أى كيان فاسد تحت زعم أى مبررات هو السماح باستنزاف كل مقدراتنا، كما كان يحدث طوال السنين الماضية، التى أدت بنا إلى صرف صحى مهلهل، وقدرة كهربائية ضعيفة لا تكفى احتياجاتنا، وكبارى وشوارع وطرق تحتاج إلى صيانة بمليارات الجنيهات، وبضعة ملايين من المواطنين لا تصل إليهم مياه نظيفة، ومدارس مكتظة بتلاميذها، ومناهج دراسية عقيمة ـ حينما قررت وزارة التربية والتعليم أن تحذف بعضاً منها لم تتأثر لعدم ترابطها من الأصل ـ وجامعات مكتظة بدارسيها، الذين لا يعلمون ما يفعلون بعد تخرجهم، ومستشفيات تسكنها القوارض لا تصلح لعلاج المواطن، و.. و.

كل هذا سببه الفاسد الذى أخذ ما لا يستحق من مقدرات الوطن، حتى ساءت الأحوال بدرجة مفزعة، أصابتنا بالضيق الشديد، فنحن نملك من الإمكانات والقدرات ما يجعلنا نتمكن من توفير حياة مقبولة فى حدها المعقول للمواطن، ورغم هذا هناك الكثير الذى يعانى شظف العيش.

أمس الأول صدر الحكم على وزير الزراعة الأسبق المتهم بالرشوة بالسجن عشر سنوات، نعم لقد جاء اليوم الذى نشاهد فيه وزيراً مداناً بالفساد فى أثناء وجوده بالخدمة، بل ومحاكمته أيضاً، حدث هذا بعد أن جاءت ثورة 30 يونيو لتعدل «الحال المايل» وليبدأ الرئيس عبدالفتاح السيسى بتنفيذ أجندته الوطنية، فشاهدنا طفرة غير مسبوقة فى منظومة الطرق يتحدث عنها المواطنون قبل المسئولين، وطفرة أخرى فى مجال الطاقة الكهربائية فاجأت الناس فى الصيف الماضى، فتقريبا لم نشهد انقطاعات للتيار الكهربائى كما كان يحدث فى صيف، 2014، بخلاف قناة السويس الجديدة وعشرات الآلاف من الوحدات السكنية لمحدودى الدخل بأسعار وتشطيبات متميزة، كما تم القضاء على طوابير البوتاجاز، والبنزين والسولار، والخبز. ويجري استكمال بقية المخططات.

والأهم من هذا بشائر الاستثمار التى ظهرت بجلاء مع الزيارة التاريخية للعاهل السعودى للقاهرة وتوقيع اتفاقيات شراكة بمليارات الدولارات، بخلاف الجسر البرى، الذى أراه نقطة محورية فاصلة فى حركة التجارة بين دول شمال إفريقيا ودول الخليج العربى. تلك الاتفاقيات التى تم توقيعها فى سويعات، قد استغرق الإعداد لها شهورا من العمل المضنى من الجانبين، وفى القريب ستظهر اتفاقيات شراكة جديدة مع دول أخرى عربية وأوروبية، يتم الإعداد الجيد لها منذ فترة ليست قليلة .

كل هذه الاستثمارات، لم تكن لتأتى مصرإلا فى ظل وجود فرص واعدة تمنحها الاستقرار كحافز مبدئى للعمل، ولكن نجاحها ونجاح الجهود التى تبذلها الدولة المصرية لإيجاد حياة كريمة للمواطن، مرهون بالقضاء على الفساد، الذى يستلزم أن يبذل السادة الوزراء و المحافظون، جهودهم لمحاربته، وأن يعتمد بقاؤهم و تقديرهم على مدى نجاحهم فى القضاء عليه.

لقد بات لزاماً علينا كل فى موقعه أن نبدأ حربنا الحقيقية على الفاسدين أياً كان حجمهم أو قوتهم، حتى نتمكن من جنى الجهود المبذولة الآن، وحتى يقتنع المواطن أن أموره تسير نحو الأفضل، فيكون عونا ملموساً فى تحقيق التقدم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف