دائما ما أستدعى صورة المطرب السكندرى الراحل عزت عوض الله، وأستدعى معه صوت الشيخ أمين وهو يتحدث بصوت الغزالة التى تخاطب النبى، مع صوت بدرية السيد وهى تبحث عن طيرها فوق السطوح.
وربما تضاف صورة باهتة من فيلم تدور أحداثه فى الإسكندرية، يظهر فيها المطرب عزت عوض الله وهو يغنى وأمامه مجموعة من البمبوطية يلبسون سراويل البحر ويرقصون والمطاوى فى أيديهم فى أحد البارات الشعبية.
هذه الصورة المستدعاة التى تعبر عن ثقافة شعبية لحقبة معينة من تاريخ مصر والإسكندرية، ولكن دائما ما يكون لعزت عوض الله بروز وسماكة داخل هذه الصورة الذهنية يميزه قليلا عن الآخرين، كونه كان قبطيا. لذا أصبح أحد الأمثلة الدالة على شَغل أحد الأقباط مكان هذا "الصوت الجمعى".
الميلاد فى حى غيط العنب
ولد عزت عوض الله، واسمه الحقيقى مرقص عوض الله باسيلى، بالإسكندرية يوم 3 مارس من عام 1934، بحى غيط العنب. حصل على وظيفة بقسم الصيانة فى مصلحة التليفونات بمنطقة جليم. وبدأت علاقته بالغناء مع افتتاح إذاعة الإسكندرية فى عيدها القومى الموافق 26 يوليو عام 1954، وكان عمره وقتئذ عشرين سنة. قبلها كان يغنى فى الأفراح وهى السبب فى شهرته فى الأوساط الشعبية فى الإسكندرية، فلم تكن هناك وسيلة للانتشار، قبل الإذاعة، سوى هذه الطريقة المباشرة. غنَّى ولحَّن ما يقرب من سبعين أغنية أغلبها يدور حول الإسكندرية وأحيائها وبالأخص حواريها، وعن بناتها وبالأخص اللاتى لم تصبهن الأفكار التحررية لثورة 52، وعن أخلاق أولاد البلد، ولم يطمح فى التعبير عن شباب الطبقات الوسطى الناشئة مع ثورة يوليو كما فعل عبد الحليم حافظ على سبيل المثال، زميله فى المدينة، والذى ولد قبله بخمس سنوات.
لا توجد معلومات وافية عن طبيعة تعليمه، ولكن يبدو أنه من الفئة التى لم تر فى التعليم العالى بابا سيفضى بها إلى عالم جديد. ربما بسبب ظروف حياتية صعبة، أو بسبب ثقافة عائلية متوارثة لا تشجع على هذا النوع من الترقى، وتريد أن تجنى ثمرة مجهودها سريعا، حتى ولو كان قليلا، عبر وظيفة متواضعة فى مصلحة التليفونات كما حدث مع عزت عوض الله، أو بسبب طموح شخصى مقتول من الأساس. يبدو أن هذا الطموح المقتول سيلتهم أيضا حياته الفنية عندما يحترف الغناء.
يعتبر حى غيط العنب من الأحياء التى تتميز بحضور قبطى واسع منذ أن كانت أرضا زراعية وجنائن تطل على ترعة المحمودية جاءها المهاجرون البسطاء من مدن الصعيد وبحرى بحثًا عن حياة أفضل. إحساس ريفي دافئ كان يحكم العلاقات. مع مرور الزمن تحولت رؤوس الأموال القديمة من المجهود والتعب، والتى تفرقت بين الزراعة
ومصانع الغزل ومطاحن الدقيق على المحمودية؛ تحولت إلى سبائك ذهبية، بعد أن اختفت الأراضى الزراعية ومطاحن الدقيق وشركات النسيج، وانتشرت بالحى، وبحى راغب المجاور، محال بيع الذهب، الذى يحتكر الأقباط تجارته.
دفء الحارة السكندرية
يتحدث، عن الفنان عزت عوض الله، أحد محبيه بعد وفاته بنحو خمسين سنة فى أحد المواقع التى تختص بالحنين للإسكندرية بدايات القرن العشرين "هو فنان أصيل لن يتكرر. ومعلومة إضافية قد، بل، هى غير مهمة على الإطلاق -هل تعلمون أن عزت عوض الله قبطى مصرى مسيحى الديانة، لكن أحبَّه كل المصريين- مسلمين ومسيحيين". هذه المعلومة الإضافية التى أراد بها هذا المُحب أن يثبت أن من يمثل هذا "المكان الأصيل" لتوجيه الحب -والذى ليس هو جوهرًا ثابتا بل متغير باستمرار- فى وقت ما كان مسيحيا. مع البحث فى كل الاستنتاجات والخيوط التى تمتد من هذه الملاحظة.
هذا التداخل بين المسلمين والمسيحيين، وصل حد الالتباس فى خيال أحد كتاب الأجيال التالية وهو المؤلف أسامة أنور عكاشة الذى ذكر ما معناه أن المطرب عزت عوض الله مسلم، عندما ذكر أنه أخو الفنانة زينب عوض الله، فى معرض حديث دار بين محمود مرسى وعلى الحجار فى مسلسله الشهير "أبو العلا البشرى". فى أحد منتديات "سماعى" الذى يهتم بالموسيقى والغناء، يوجه أحد رواده إنذارًا شديد اللهجة بسبب هذا الخطأ: لمن يهمه الأمر أرجو الإحاطة بأن الفنان/ عزت عوض الله ليس شقيقا للمطربة/ زينب عوض الله، فهو مسيحى وهى مسلمة. وإنما هو تشابه فى الأسماء. وعلى فكرة، كثير من الناس فى الإسكندريه يظنون بالخطأ أنهما شقيقان، بل وقع فى هذا الخطأ أيضا المرحوم/ أسامه أنور عكاشة، حيث قال على لسان الممثل الكبير/ محمود مرسى فى الحلقه العاشرة من مسلسل "أبو العلا البشرى" عندما رأى أن على الحجار يخجل من اسم أبيه "عوض الله" قائلا له "يابنى دا أشهر اتنين مطربين إخوات فى إسكندريه اسمهم عزت عوض الله وزينب عوض الله".
وقد قمت بنفسى بتنبيه الأستاذ/ أسامه أنور عكاشة فى ندوته التى أقامها بقصر الإبداع بالإسكندريه فى شهر يونيو عام 2006 على الملأ فى أول مداخلة تمت فى تلك الندوة".
وعضو آخر فى المنتدى نفسه، يذكر فى رسالة أرسلها يشرح فيها علاقته بعزت عوض الله ومكانته وتمثيله للحارة الشعبية الأصيلة. طبعًا فى مقابل تمثيل آخر كان يعنى الأجانب والمتفرنجين فى ذلك الوقت فى الخمسينيات والستينيات، فترة انتشار الروح القومية: «على فكرة أنا فعلا (متربّي) على صوت الفنان عزت عوض الله».
وبلدياته كمان.. لأ، ومن نفس منطقته، وهى مربع غيط العنب وكرموز وراغب.. وله مساحة فى قلبى ووجدانى، لأننى نشأت عليه من صغرى، وإلى الآن أحفظ معظم أغانيه، ولو سمعتها أشعر بدفء الحارة السكندرية.
دفء الحارة السكندرية التى يتحدث عنها هذا العضو هو الأثر الرمزى لهذه الروح القومية والترابط والتعاضد الذى تكون بعد ثورة 19، وتظاهرات الطلبة والعمال سنة 1946، ثم ثورة 52. تلك التى وثقت وزادت الصلات بين العائلات المهاجرة.
هذه الحارة السكندرية الدافئة أيضا هى التى كان يسير فيها، فى بدايات القرن العشرين، شخصية مثل "حميدو الفارس" أشهر فتوات الإسكندرية، وأشباهه؛ بنبُّوته أو شومته، ليضع بها حدا فاصلا بين القانون الشخصى والعام. بين الحميمية، مهما كانت ظالمة ولكنها دافئة، وصلف النظام وبرودته مهما كان عادلا.
كان "ميخائيل قلدس" يتحرك فى نفس الأماكن سابقا بتسع سنوات، بينما قام مرقص باسيلى عوض الله بتغيير اسم بطله، أو اسمه الفنى، إلى "عزت عوض الله"، وهو الاسم الذى سينتشر على ألسنة الناس؛ تعمد الروائى إدوار الخراط أن يحتفظ باسم بطله مسيحيا خالصا بدون التباس "ميخائيل قلدس"، والذى كان يعيش أيضا فى حى "غيط العنب" ولكن قبل مولد عزت عوض الله بتسع سنوات.
هذا الحى الذى خرج منه وصاغه الروائى إدوار الخراط، فى رواياته وقصصه بوصفه "المكان الأصيل"، والذى يشكل أصالته هذا الحضور المسيحى الكثيف من رموز وأعياد وأسماء وعادات، كأنه "التيار العام" الذى يسيطر على المكان. وهى نظرة أكثر تطورًا وضعت حيي غيط العنب، وراغب، والوجود المسيحى بداخلهما من أجل تأويل سياسى. وربما هى بالفعل الحياة التى عاشها الطفل والشاب ميخائيل قلدس، بالإضافة إلى نظرة الأدب التى تعيد تحويل المكان الهامشى وتضعه فى مكان المركز، ربما من أجل استرداد إشباع نفسي هارب.
يحكى إدوار الخراط فى "ترابها زعفران" عن حركة بطله الوثابة ما بين ترعة المحمودية، وشارع الكروم، وترام شارع السبع بنات، وذهابه إلى سرجة الزيت على المحمودية لشراء زيت فطيرة الملاك، وعن محال القماش، ووابور الدقيق، وكوبرى راغب، أو وهو فى طريقه للمذاكرة مع الأصدقاء، أو وهو يعيَّن بعدها، بعد حصوله على الشهادة الجامعية، فى مخازن الجيش الإنجليزى بكفر عشرى.
عشت سنتين فى مدينة سوهاج فى نهاية الستينيات. كان كل ما يحيط بى فى المدرسة والبيت والأصدقاء ومستوصفات الأطباء، وفناءات الكنائس، ورموز الشارع؛ مسيحيا. لذا ليس من الغريب أن يكون هناك حضور لهذه الثقافة داخل مخيلة طفل صغير، باعتبارها الثقافة الأصلية، أو لها تمثيل متساو داخلها.
وربما لهذا السبب كان شعور عزت عوض الله، الذى كان، قد وجد من حقه أن يغنى باسم الجميع/ الشعب، بوصفه ممثلا لهذا "المكان الأصيل". وربما لم يسأل نفسه هذا السؤال لأنه لم يكن مطروحا من الأساس فى بدايات احترافه الغناء. ولكن يبدو أن هذا
"المكان الأصيل" كان فى لحظة تحول، كعادته، فلم تعد الحارة هى الرمز بل الشارع، ولم تعد الفتاة قعيدة البيت، والتى لا تخرج إلا فى مشاوير قصيرة، والتى كانت هدف التغزل؛ بل صارت فتاة الجامعة. أيضا تلقت "الطبقات الشعبية"، التى كان يغنى لها، ضربة فى نمط علاقاتها ودفء حاراتها، وأصبحت حاراتها أكثر برودة، وغير متجانسة التكوين. لقد حافظ عزت عوض الله على تمثيل هذا المكان "الأصيل"، بينما كان فى لحظة تحوله، وربما لهذا السبب طاش سهم موهبته. فى تلك الفترة فى بدايات الثورة بدأت أعراض الخفوت لهذا النوع من "الأصيل"، والذى كان يجسده عبد المطلب فى فن الغناء، وهو المطرب الذى سار على نهجهه عزت عوض الله.
ربما أشير هنا، بدون الدخول فى تفاصيل، للفارق بين مصطلحى "شعبى" و"قومى". فى تلك الفترة، كان الترجيح للثانى.
الحلو ساكن بوالينو
لا توجد صور كثيرة لعزت عوض الله سوى صورتين أو ثلاث بالبذلة والكرافتة وبشنب تقليدى. يحكى أحد رواد منتدى "سماعى" أنه رآه رأى العين: أنا من عشاق الفنان عزت عوض الله لأنى سكندرى قلبا وقالبا وشفت عزت عوض الله فى حياتى كلها مرتين، بس كنت صغيرا، ومن وقتها وأنا من عشاق هذا الفنان. ثم يذكر مجموعة من أغانى عزت عوض الله التى احتفظت بها إذاعة إسكندرية سنوات رئاسة حافظ عبد الوهاب لها
(وهو بالمناسبة مكتشف عبد الحليم حافظ وواهبه لقبه) وهو الذى لم يلتفت لموهبة عزت عوض الله: «بالمناسبة هو عنده أغانى كتير جدا مسجلة بإذاعة الإسكندرية» منها "الحلو ساكن بوالينو"، و"رتيبة" و"طلّى عليا"، و"يا جمال اسكندرية". ويصحح العضو معلومة أخرى، ويبدو أن "عزت عوض الله" كان محاطا بمعلومات خاطئة كثيرة لذا يجب تصحيحها: وعاوز ألفت نظر بعض الأعضاء المعتقدين بالخطأ أن أغنية "يا زايد فى الحلاوة" هى أغنيه فايد محمد فايد، هكذا يعتقد البعض.
أود أن أصحح هذه المعلومة، "يا زايد فى الحلاوة هى أغنية عزت عوض الله" ومن تلحينه أيضا، ولا تمت بصلة للمطرب فايد محمد فايد، سوى أنه أعجب بها وغناها بعد وفاة عزت عوض الله، رحمه الله وأشكركم جميعا.
لم يخرج عزت عوض الله من الإسكندرية إلا لمرة واحدة سجل فيها أغنية اسمها
"ما كبرنا على الحاجات دى"، والتى ذهب للقاهرة لتسجيلها، كما يذكر أحد أعضاء المنتدى. وسبب عدم خروجه من الإسكندرية، كما يشرح العضو، بأنه فنان كان "مغرقا فى المحلية". ألمح فى هذا الوصف ازدواجا، ربما كان مقصودًا، فى المعنى. فإغراقه فى "المحلية" شىء يشبه الإدمان، والمدمن يمكن أن يضيع حياته من أجل تمسكه "بمحليته" هذه، التى كانت على وشك أن يتحول مفهومها فى تلك الفترة.
يوصِّف الكاتب ياسر علوى فى مقال له عن عزت عوض الله هذه "المحلية": الأغاني المحلية، التي وضعها مؤلفون محليون وغناها مطربون اشتهروا في بيئاتهم المحلية، وأدوها عادة في الأفراح الشعبية، ووصل بعضهم للإذاعات المحلية (صوت الإسكندرية مثلًا)، ولكن لم يتح لأكثرهم الوصول للجمهور القاهري، ومنه إلى سائر أنحاء مصر والوطن العربي. إلى هذا النوع الأخير تنتمي أغاني الفنان السكندري عزت عوض الله.
ويضيف: الأداء المتمكن والصوت العذب للمطرب السكندري القدير عزت عوض الله
بديع بشكل يفوق الوصف. مزيج رائع من الشجن الذي تستوجبه حالة الوجد والشوق التي تصفها الكلمات (...) هذا الشجن ممزوج في أداء عزت عوض الله برشاقة تناسب الطابع الراقص للحن، بما أنه لحن يؤدى أساسًا في الأفراح الشعبية.
أتذكر الأفراح الشعبية التى كانت تعبر بشوارع الإسكندرية الشعبية وبفحوى جناسها وتورياتها الجنسية والدينية. "وصلى صلى صلى/ واللى ما يصلى صلى/ أمه يهودية/ صلى/ وأبوه أرمللى/ صلى/ وع الجدار، ع الجدار/ والفرخة باضت ع الجدار/ والديك قاطرها على الجدار/ واتدحرج واجرى يا رمان/ وتعالى على حجرى يا رمان.......".
أعود للكاتب ياسر علوى وهو يتغنى بموهبة صاحبنا: عزت عوض الله ليس مطربًا عظيمًا وحسب (..) وإنما هو فنان شعبي بالمعنى الدقيق للكلمة، عامل تليفونات في الإسكندرية، يهوى الغناء ويعشقه، وترتبط حياته وأغانيه بشكل كامل ببيئته المحلية (من أول عملة طوال حياته في مصلحة التليفونات، إلى عشقه للنادي الأوليمبي لكرة القدم، وغنائه أغنية "يا أوليمباوية"، عندما فاز ناديه بالدوري العام للمرة الوحيدة في تاريخه عام 1966. حول هذه الواقعة يذكر موقع النادى الأوليمبى بأن عزت عوض الله غنى للأوليمبى ولنجم آخر لم يأخذ فرصته هو "عز الدين يعقوب" (عز يا عز يا أجدع عز/ هز شباك المرمى هز/ أخدتوا الدوري يا أوليمباوية/ مبروك عليكوا يا اسكندرنية).
أسطورة سيزيف السكندرية
وحول هذه النقطة الأخيرة يتحدث الأديب والروائى السكندرى المعروف "مصطفى نصر" عن "عزت عوض الله" بوصفه أهم المطربين الذين ظهروا فى مصر فى الآونة الأخيرة، بل وأهم مطرب ظهر فى الإسكندرية على الإطلاق فى مقالة له بجريدة «القاهرة» بتاريخ 6 مايو 2014. ويصف أيضا حياة عزت عوض الله بأنها دراما حزينة قريبة من الأساطير اليونانية. مثل "أسطورة سيزيف" الذى عاقبته الآلهة بأن يحمل الصخرة الثقيلة ويصعد بها الجبل لتسقط هذه الصخرة وينزل وراءها ثم يصعد بها مرة أخرى، وهكذا إلى الأبد.
هناك علاقة واضحة بين سيزيف وعزت عوض الله كون الأول حمل الصخرة إلى الأبد وعزت عوض الله حمل الإسكندرية، أيضا، كصخرة على قلبه إلى الأبد.
هذه "الإسكندرية" فى نظر الأديب مصطفى نصر "مقبرة الفنون والآداب". ومأساته أيضا أنه "غنى فى إذاعة الإسكندرية ذات الصوت المصحوب بالصفير، والذى لا يصل مداه أبعد من مدينة كفر الدوار القريبة جدا من الإسكندرية".
طبعًا الأديب مصطفى نصر كما يتحدث عن عزت عوض الله ومأساته؛ هو أيضا يتحدث عن نفسه ويتخذ من نموذج عزت عوض الله المأساوى قناعا له، كونه يشعر بالغبن من عدم شهرته، رغم أعماله الروائية المتميزة، وذنبه أنه ولد وعاش وحمل الإسكندرية كصخرة فوق قلبه.
ويلوم مصطفى نصر عزت عوض الله، عبر الزمن، ويُشهد عليه القراء، بأنه لم يدافع عن "موهبته النادرة" وهرب من أحزانه إلى جلسة فى إحدى ورش صناعة الأحذية، خلف سنترال محطة مصر، وصداقته لصاحبها صانع الأحذية "السيد ماضى" والذى كان يجيد العزف على العود وغناء أغانى أم كلثوم وعبد الوهاب.
كان عزت عوض الله يشاركهم الغناء مع "معاقرة الخمر"، والذى قيل لمصطفى نصر من الشاعر السكندرى الراحل "أحمد السمرة"؛ "أنها كانت خمر غاية فى السوء". وخلال جلسات الغناء والشرب والفضفضة، كما يسرد الروائى مصطفى نصر، تحدث عزت عوض الله عن عبد الحليم حافظ بوصفه الحوت الذى ابتلع كل شىء، وقضى على كل المطربين قبله. كان عبد الحليم، فى رأى عزت عوض الله، هو سبب أزمته، وأنه منع أجيالا من الظهور، بل وقضى عليها، كما يشير الأديب مصطفى نصر فى مقاله، وخير نموذج على هذا المطرب كمال حسنى.
النهاية الحزينة
فى أحد الأيام بينما يشكو عزت عوض الله حاله وسط قفزات الروح التى تسببها الخمر والسجائر والغناء، فيقوم أحد السمَّار فى الجلسة بتشجيعه على السفر للقاهرة من أجل إعادة اكتشاف موهبته. فى اليوم التالى، أو بعدها، يسافر عزت عوض الله بتأثير هذا الحماس، فى قطار الصباح باتجاه القاهرة. يلف ويدور، كما فى أفلام عبد الحليم حافظ، على المسارح والإذاعة، وشركات الأسطوانات، ولكنه يعود فى قطار الليل، لدفء بيته فى حى الإبراهيمية الذى انتقل له، ولدفء حضن زوجته، ولدفء حضن ابنته الصغيرة، ولدفء مكتبه الخشبى فى مصلحة التليفونات، ولدفء عمله الممل الذى ينتظره فى الصباح. هذا الدفء عجّل بعودته خائبًا ولم تفتح له الأبواب.
في يوم 17 أغسطس عام 1975 يعثر المارة في أول شارع جميل ثابت من ناحية شارع إيزيس على جثة لشاب ملقاة على الرصيف، وكما يكتب الأديب مصطفى نصر مفسرا هذا الحادث "لمطرب الإسكندرية الأول" كما يسميه: وهناك أقاويل غير مؤكدة بأن موته كان جريمة مدبرة، مجهولون تابعوه وهو يخرج من بار مواجه للكنيسة الحمراء بشارع الشيخ بيرم، وما إن يجتاز شارع إيزيس، ويدخل أول شارع جميل ثابت حتى يقتلوه ويهربوا".
ربما كان فى طريقه لبيته القديم فى حى غيط العنب. وقيدت القضية ضد مجهول.
___________________________________________
* مقال "عبقرية المغمورين": «نوارة حارتنا» لعزت عوض الله. ياسر علوي. جريدة «الشروق». الخميس 23 يناير 2014.
* مقال "عزت عوض الله مطرب الإسكندرية الأول". مصطفى نصر. جريدة «القاهرة» الثلاثاء 6 مايو 2014
* منتدى سماعى.
* موقع "إسكندرية حبيبتى" على الفيسبوك.
* ويكيبديا الموسوعة الحرة.
* ترابها زعفران. نصوص إسكندرانية. إدوار الخراط. دار الآداب. بيروت- 1995.
* مقال "محمد عبد المطلب في ذكرى مئوية ولادته الأولى".. من كورس "سنّيد" إلى مطرب الموّال الأول وشيخ الأغنية الشعبية العربي. سحر طه. جريدة «المستقبل».
* موقع النادى الأوليمبى.