صباح الخير
وليد طوغان
متطلبات التجديد فى عصر «مشايخ التقليد»
فى ألمانيا، اعتبر الإمام الأكبر عقيدة الأزهريين قائمة على اعتبار الجهاد، جهاد نفس لا جهاد سيف، وإن فى «وسطية» المشايخ وطلبة الأزهر، ما ترك فرصا للملحدين فى بلاد الأزهر، فزادت صفحات «الإنكار» الإلكترونية، وتنامت مساحات الحريات الدينية.
كان كلاما «مزوقا». لأن فى مناهج الكليات والمعاهد الأزهرية يدرسون مفهوم الجهاد على أنه فرض كفاية إسلامى، لو قام به مجموعة من المسلمين، سقط عن الآخرين لعدم الاستطاعة، ربما لذلك تلاحظ الميل المنهجى الأزهرى إلى «أفكار الفتح»، «وجواز فتح بلاد غير المسلمين بالقوة نشرا لدين الله»!

فى كتب المعاهد الأزهرية، لا مكان لمساحات الحريات «الدينية» التى أشار إليها الإمام الأكبر فى ألمانيا، ولا مساحات للأريحيةمع غير المسلمين، كما أشار فضيلته، فطلاب الأزهر حتى اليوم يدرسون كتبا فى الفقه، تعتبر غير المسلمين «أهل الذمة»، وتكييفات فقهية، تعتبر وجودهم فى بلاد المسلمين (حتى لو كانوا مواطنين) «أصحاب عقد أمان» لا مواطنين.
فى كتب التعليم الأزهرى، صور فقهية قديمة، من صور تفضيل المسلم، على غير المسلم، حتى لو تساوى الاثنان فى مفهوم «المواطنة» الحديث.
أغلب الدراسات الشرعية فى المعاهد، والكليات الأزهرية، تميل الى فكرة الخلافة، (ولو لم تطبق أحكامها، لصعوبة هذا التطبيق). وتظل الخلافة أساسا تشريعيا تقوم عليه المعاملات، والحكم على أعمال غير المسلمين، ولو، مرة أخرى، كانوا من مواطنى البلاد، لا واردين عليها من الخارج كالأجانب مثلا».
الأساس فى مناهج «أصول الفقه»، وفقه الجنايات، وفقه الحدود، وفى كتب العبادات، وفى كتب الدراسات الإسلامية الشرعية، خصوصا، كتب الحنابلة، والمالكية.. فكرة الحاكمية.
تقوم فكرة الحاكمية، على أساس ضرورة فى «إقامة حكم الله فى بلاد الإسلام، ومحاولة إقامة حكمه تعالى فى بلاد غير المسلمين». أزمة فكرة الحاكمية، ليست فى اعتبارها نظرية إسلامية فقهية، يمكن أن تخضع للنقد أو التضعيف، إنما فى أنها تحولت على مر التاريخ الإسلامى، إلى سلطة «دينية» وسياسية، رسخت سلطان المشايخ، وأهل الاختصاص الدينى من أجيال درست المناهج الأزهرية، اعتبروا أن مفهوم الدين، مقصور عليهم، باعتبارهم وحدهم الذين يطبقون شرع الله، وأنهم وحدهم الأولى بإقامة دين الله، كما يعتقدون هم عن دين الله.
فى العصر الحديث، لم يعد مفهوم الحاكمية، مجرد الاحتكام إلى شرع الله، بقدر ما أصبح سلطة فى الحكم على العقيدة، وعلى صحيح إسلام المسلم، أو ردة المرتد، أو حتى اجتهاد المجتهد، بواسطة من يعتقد أنه صاحب الحق الحصرى فى تفسير كتاب الله؛ وبما يمنحه الحق تلقائياً فى تمثيل مقاصد الشريعة الإسلامية على الأرض.
قبل سنوات طويلة، كان الأزهر الشريف ومشايخ الأزهر الشريف «سلطة روحية»، لكن لما أصبح الأزهر: «جبهة إقامة الدين، والمؤسسة الوحيدة للحفاظ عليه»، ارتفعت وتيرة المعارك الفكرية، بين مشايخ الأزهر والمنتسبين إليه، وبين من يرون أن محاولة تطبيق أفكار زمن الإسلام الأول، واجتهادات التابعين، على زماننا، بتغيراته، واختلافاته، وتناقضاته، ليس من الدين، ولا هو من مقاصد الله.
إسلام بحيرى مثلا، استند فى نقده فتاوى ابن حنبل، والإمام مالك، إلى قاعدة شرعية تقول: «بوجوب تّغير الأحكام الشرعية بتغير الزمان» بينما فى أروقة الأزهر، وقاعات محاضراته، مازالوا يدرسون الفقه الحنبلى، على أساس أنه الشرع المستمر، ويتعلمون المتشدد من فقه الإمام مالك، باعتباره، ثوابت دينية، لا يجوز الاجتهاد معها، ولو اختلفت مع أحداث ومستجدات الواقع.
(1 )
ندعى نحن، بوصفنا مسلمين أيضا أن مناهج الأزهر لم تعد تعترف بالتجديد، ولا الاجتهاد، فالأصل الشرعى الذى تقوم عليه الدراسات فى المعاهد الدينية، اليوم ، هو تأكيد إغلاق باب الاجتهاد منذ القرن الرابع الهجرى، أو ما يعرف فى أوساط الدارسين الإسلاميين بـ «سد باب الاجتهاد».
سد باب الاجتهاد، عملياً، يعنى توقف الفقه الإسلامى عند عصر معين (عصور الأئمة الأربعة)، ربما هذا هو السبب فى معارك الأزهريين، مع المجددين، أو من لهم وجهات نظر علمية فى توسيع نطاق فقه، مرت عليه مئات السنين، لم يعد صالحا للزمان والمكان. ففى حين ينادى الأزهريون بالحاكمية، فى العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، وفى العلاقات بين الدول الإسلامية، والدول غير الاسلإمية، تقوم الأفكار الحديثة للدول على مبادئ لم يعرفها مالك، ولا الإمام الشافعى.
الدول الحديثة، على سبيل المثال، تقوم على أساس «مبدأ المواطنة»، وعلى أن المواطنين فى الدولة الواحدة، لهم نفس لون جواز السفر، ونفس رسم بطاقات الهوية . تقوم فكرة الدولة الحديثة، أيضا، على أنه لا يجوز التعامل فى العلاقات الدولية، طبقا لمبدأ «دار الحرب ودار الإسلام»، كما فى أفكار الأئمة الأربعة، التى استمرت، ووصلت إلينا على ظهر التراث، فنطت لنا من كتب الأزهر، ومن كراسات محاضرات مشايخه.
فى ألمانيا، أكد الإمام الأكبر الدكتور الطيب على أفكار التجديد الإسلامى، لكن، فى القاهرة، كان للأزهريين مسالك أخرى.
لدى كثير من مشايخ الأزهر، أن الفقه واحد، مثلما الرب واحد،لذلك، وقف المجددون مستضعفين، يرون أن الفقه الإسلامى، ظرف تاريخى، ليس إلزاما دينيا. ومادام أنه ليس إلزاما دينيا، فإنه يجوز إعادة النظر فى فتاوى الأئمة الأربعة مثلا، للعدول عن بعضها، أو حتى إعادة النظر فى النص القرآنى، لاستخراج أحكام شرعية جديدة، تتماشى مع العصر الحديث، ولا يعد خروجا على الإسلام، لو تعارضت الاجتهادات الجديدة، مع أحكام الإمام مالك، أو اجتهادات ابن تيمية، فالإمام مالك رحمه الله، ليس هو الإسلام، ولا ابن تيمية بجلاله، هو الدين.
بعد تطور شكل الدول فى العصر الحديث، عن شكلها فى عصور الأئمة الأربعة، وتغير وضع المواطن القانونى فيها، لم يعد ملائما الاحتكام إلى مبدأ «الحاكمية» فى تصنيف المواطنين فى دولة ما على أساس الإسلام أو «الذمية» . لم يعد جائزا التفرقة بين المسلم وغير المسلم فى البلد الواحد، حسب الدين، ولا طبقا لعهد الذمة.
فى الدول الحديثة، لم يعد المسيحى «ذمى»، ولم يعد جائزا اعتبار المواطن المسلم، حتى ولو كان وافدا على البلد، لا من أصحابها الأصليين، صاحب الحق الوحيد فى منح عقد الأمان لغير المسلم، كما أنه لا يجوز أيضا، اعتبار منح عقد الذمة، مقصوراً على ولى الأمر فى البلد الإسلامى، فيمنحه للمسيحى، بمجرد ارتضاء الأخير دفع الجزية!
إذا كان طلبة الأزهر يدرسون فى مناهجهم أنه بإغلاق باب الاجتهاد فى القرن الرابع، أصبحت العصور التالية «عصور تقليد»، فيما كانت عصور ما قبل إغلاق باب الاجتهاد «عصور تجديد»، ولو كانت مناهج الأزهر لليوم، تعترف بأننا فى عصر من عصور التقليد، لا يجوز فيه الإتيان بأحكام جديدة، مخالفة لأحكام الأوائل .. فكيف تكلم الإمام الأكبر فى ألمانيا عن «التجديد»؟
التقليد، ضد التجديد، لأن التجديد يقوم على استيعاب المتغيرات، بينما يسعى التقليد إلى إعادة الحوادث المستجدة فى الحاضر، إلى الماضى، ويرغم المسلمين على تطبيق أحكام القديم، على الجديد، ومن ثم ربط المستقبل بالماضى. وإذا كان الأساس فى عصور التقليد، اعتبار الرأى «الجديد» جريمة فى حق القديم، فكيف قال الإمام الأكبر ان مشايخ الأزهر يسعون للحداثة فى الدين، وكيف أكد فضيلته أن لديهم رحابة صدر لاستيعاب المتغير، والحكم، بنظرة شرعية مرنة، فيما يستجد؟
يدرس طلبة الأزهر مايلى نقلا عن القاضى عياض: «إن الناس أجمعوا على جواز تقليد المذاهب الأربعة والسفيانية والأوزاعية والداودية دون غيرهم»، مشيرا إلى أنه فى زمانه: «لم يبق من المذاهب المذكورة غير المذاهب الأربعة ومذهب داود». ويدرسون ماكتبه ابن فرحون فى الديباج المذهب فى معرفة أعيان أهل المذهب أنه: «صار الناس اليوم فى أقطار الأرض على خمسة مذاهب: مالكية وحنبلية وشافعية وحنفية وداودية، وهؤلاء الأخيرون هم المعروفون بالظاهرية». وعند ابن الصلاح، فى مقدمة الجامع الصغير، الفصل الأول: «لم يوجد بعد عصر الشافعى مجتهد مستقل».
يدرس طلاب الأزهر أيضا، فى إحياء علوم الدين، ما أقره الإمام الغزالى من أنه : «أن حكم كل أهل عصر عدم بلوغ رتبة الاجتهاد، وإنما يفتى الفقيه فيما يُسأل عنه نقلاً عن مذهب أمامه» . بينما نقل ابن عابدين الحنفى (كما يدرس الأزهريون أيضا) فى رسائل ابن نجيم قوله: «إن القياس بعد الأربعمائة ( اربع مائة عام هجرى ) منقطع»!
وفى تهذيب الفروق كما يدرس الأزهر: «موقف جمهور الفقهاء، هو أن شروط الاجتهاد المطلق لم تتحقق فى شخص من علماء القرن الرابع فما بعده، وأن من ادعى منهم لا تسلم له دعواه»!
فى تهذيب الفروق كما يدرس طلاب الأزهر «قام الفقهاء بمنع أهل العصور التالية (التالية على غلق باب الاجتهاد) من الاستنباط من الآيات والأحاديث، وأوجبوا عليهم الأخذ بأقوال الأئمة وأتباعهم فى كل ما يقولون من الأحكام الفقهية وتفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، معتبرين أنه بدون ذلك يلزم الضلال والإلحاد فى الدين!
إذا كان ما درسه مشايخ الأزهر، من أول الشيخ البرى، انتهاء بالدكتور شومان، على ماسبق.. أكان يجوز حديث «التجديد» فى ألمانيا؟
( 2 )
على مواقع التواصل الاجتماعى، جعلنا العلامة الإسلامى، الدكتور أحمد نوفل «فرجة للمسلمين». اعتبرنا مفتئتين على الدين . ألمح إلى أن رغباتنا الفاسدة تسعى بين المسلمين للانفلات الفكرى، فنحن الذين نخالف ما استقر عليه المشايخ والأئمة، ونحن الذين نتعمد الترويج لما هو ليس إسلاميا، ونحن الذين ننتصر إلى آراء وكتب «ناس لا تعرف الله»، مثل خليل عبد الكريم، وأبكار الثقاف.
وصفنا الدكتور نوفل بما ليس فينا، لمجرد أننا فتحنا «سكة للحوار». تتبعنا، بعد حلقات «المجددون فى السجون»، فعرّض بنا، فى معركة غير متكافئة، مع أن قوله تعالى: «ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا».
للدكتور نوفل أتباع ومريدون حول العالم الإسلامى. نحن الأضعف لو عادانا. نحن الذين لا حول لنا ولا قوة لو حمل علينا . الدكتور نوفل فى حيازته، عشرات المنابر، فى مئات المساجد، فى الأردن، وغزة، وموريتانيا، ومالى، وإندونيسيا، وكثير من دول المسلمين، بينما، ليس لدينا نحن سوى آراء على صفحات المجلات، أو الجرائد. فلا معنا من الأدوات إلا كلام ابن عم حديث، ساعين إلى أجر من الله لو اخطأنا، وأجرين منه سبحانه لو أصبنا.
أحمد نوفل، أستاذ شهير بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية . سمعته جيدة، ونار على علم فى العالم الإسلامى، لكن لا نعرف ما إذا كان «وسطيا» من عدمه؟! من سيرة الدكتور نوفل يبدو أنه وسطى، على الأقل لأنه أزهرى، حصل على الماجستير والدكتوراه فى التفسير وأصول الدين من الأزهر الشريف، ثم انتقل إلى بلاده، أماما معتبرا، وداعيا معروفا فى الخليج.
ما الذى عابه علينا الدكتور نوفل ؟
عاب الرجل علينا «إنجرافنا فى الدين» فاتهمنا بالفت فى عضد الإسلام». ألمح إلى أن دعوتنا للتجديد، محكوم عليها بالريبة، وأن ميلنا للحديث فى ما يسمى بـ «حرية الاجتهاد» محكوم عليه بالشبهة.
كما أجيال وأجيال من مشايخ الأزهر، يرى الدكتور نوفل، أن الأصل فى الإسلام «الحاكمية»، وأن نشر الدين فى بلاد غير المسلمين واجب، وأن التعامل مع غير المسلمين فى بلاد المسلمين، لا يجب أن يخرج عن فقه الأئمة الأربعة، حتى ولو فى عصر الإنترنت والدش.
مثل الدكتور نوفل، مثل الذين حبسوا إسلام بحيرى، وحركوا الدعوة ضد فاطمة ناعوت . مثله مثل الذين حاكموا الراحل الدكتور نصر أبوزيد بتهمة «الاجتهاد»، والذين حرقوا كتب ابن رشد بدعوى الخروج على «سماحة الإسلام»!
فى كتب الدكتور نوفل، تكثر مصطلحات «أهل الذمة»، والخلافة الإسلامية، والمسلمين المستخلفين فى الأرض . فى دراساته، كما فى كراسات محاضرات مشايخ الأزهر، مازالت تتجلى أفكار عن الخلافة الإسلامية، وشروطها، وشروط قيامها، إضافة إلى كلام فى أشكال دار الحرب ودار الإسلام، رغم أن المسلمين الآن فى عصر سياسات الاتحادات الكونفدرالية، وتجمعات الكوميسا، والساحل والصحراء .
فى كتبه، توزن الأحكام الشرعية لدى الدكتور نوفل، بميزان القدامى، وهو كأزهرى، يرى، أيضا، أن باب الاجتهاد المغلق فى القرن الرابع، لا يجوز المساس به، إلى أن تقوم الساعة، ثم يتحدث عن التجديد والوسطية!!.
دكتور نوفل، من أجيال الأزهر التى درست من السيرة، حديث منسوب للنبى، فى مفهوم الجهاد متنه : «عن ابن عمر - رضى الله عنهما - : إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف، حتى يُعبَدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وجُعِلَ رِزْقى تحت ظلِّ رُمْحى، وجُعِلَ الذَّلُّ والصَّغار على مَنْ خالَف أمرى، ومَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم) (مسند ابن حنبل)، قبل أن يدرك هذا الجيل من المشايخ كلاما للدكتور أحمد الطيب فى ألمانيا، يدفع عن فكر المشايخ، فرض الدين بالقوة، ونشر الإسلام بالسيف!
فى شرح ابن رجب كما يدرس مشايخ الأزهر: «يشتمل، حديث «السيف» على حِكَم عظيمة، وجُمَل نافعة،، فالله بعثه (ص) داعيًا إلى توحيده بالسَّيف بعد دعائه بالحُجَّة؛ فمَنْ لم يَسْتَجِبْ إلى التوحيد بالقرآن والحُجّــَة والبيـــان، دُعِيـــَ بالسَّــــــيف؛ قال تعـــــالى: }لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ{ الحديد: 25وفيه إشارةٌ إلى قُرْب بعثَته - صلى الله عليه وسلم - من قيام السَّاعة.
يؤمن دكتور نوفل، بنشر الإسلام بالقوة، وفى جواز فتح بلاد غير المسلمين، نشرا للدين . لا يعترف الدكتور نوفل، بالفقه الإسلامى، كظرف تاريخى، فهو مثله مثل مشايخ كثيرين، لديهم الفقه إلزام دينى.
لا يعتد الدكتور نوفل، ولا المشايخ مثله، لدعاوى التجديد، وضرورة إعادة النظر فيما يستدعى، من أحكام الأئمة الأربعة الشرعية، باعتبارها اجتهادات دنيوية، بلا نص دينى، ولا حتى منطق دنيوى، ربما هذا هو سر الفجوة، بين كثير من كلام شيخ الجامع الأزهر فى ألمانيا، وبين الواقع.
( 3 )
يبدأ «التجديد» فعلا من ضرورة اعتبار أقوال الفقهاء القدامى، نوعا من أنواع الاجتهاد، يجوز العدول عنها إلى غيرها، لو اقتضت الحاجة، اجتماعيا أو تاريخيا . لكن المشكلة، التى تبدأ من الأزهر، وتنتهى عنده، أنه لدى الأجيال المتعاقبة من الأزهريين، لا يجوز إعادة فتح باب التجديد، لأن باب الاجتهاد أغلق، ولم تبق إلا أفكار القدامى، بوصفها مقدسة.
ما الفرق إذن، بين أبوبكر البغدادى، أو أبوالأعلى المودودى، أو عبد السلام فرج، أو أسامة بن لادن، وبين أفكار الدكتور أحمد نوفل، أو الدكتور عباس شومان؟
ما شكل الاختلاف وطبيعته، بين تيار «إسلام السيف» لدى أبوبكر البغدادى، وتيار يقول انه يرفض إسلام السيف، من جبهة الدكتور أحمد نوفل، إذا كان الاثنان على نفس الخط، ونفس الإيمان، وذات درجة الاعتقاد فى نفس الأحكام الشرعية؟
إذا كان فى تيار الدكتور أحمد نوفل، المسيحى ذمى، والأجنبى «حربى»، والبلدان التى لم يدخلها المسلمون بعد «دار حرب»، حتى يفتحوها، ويقيمون فيها الإسلام، فيعطى مواطنوها الجزية، وهم صاغرون، فما الذى يمكن أن يطلق عليه الدكتور نوفل وأقرانه «تجديدا فى الدين»؟
فارق كبير بين وسائل التجديد، ومتطلباته، وأدواته، ووجهات نظره، وبين أعراف مشايخ التقليد، ومحرماتهم.
ربما لب الأزمة، فى أن كثيرا من مشايخ التقليد، لا يفطنون، إلى أن الفقهاء التسعة، اختلفت أحكامهم الشرعية، قبل باب الاجتهاد، حسب طبيعة المجتمعات، وأعرافها، ومستواياتها الثقافية.
إذا كانوا جددوا فى الماضى، فلماذا لا نجدد الآن ؟ وإذا كانوا فى الماضى لم يجدوا مشكلة فى أن يخرج رأى، ليلغى رأيا، وأن يظهر دليل، ليضرب دليلا، فلماذا مشايخ اليوم يساوون بين أصحاب الرأى .. وأصحاب السوابق، بينما يتكلم فضيلة شيخ الأزهر فى الغرب عن الوسطية؟
كيف يتغير الفقه ؟ ولماذا ؟
يتغير الفقه، ويبتكر، ويتطور، لو أضفت له مرونة، ولم تحطه بهالة من القداسة، مع أن ماقاله بشر، ومن كتبه بشر .
خد عندك مثلا، الإمام أبوحنيفة، أحد الأئمة التسعة، أجاز الاجتهاد، وأجاز القياس، لنشأته فى مجتمع العراق المعقد، فى العلاقات التجارية، والعلاقات الثقافية، وانفتاح هذا المجتمع على جنسيات مختلفة، وأجناس مخالفة للأجناس العربية، وثقافات متباينة.
طبيعة مجتمع الإمام أبوحنيفة، هى التى منحته مرونة فى «استخراج الأحكام الشرعية»، مخالفا الإمام مالك، الذى نشأ فى مجتمع المدينة البسيط، غير المعقد، الذى لم يظهر فيه الحاجة إلى الاجتهاد، لبساطة العلاقات التجاربة والثقافية التى لم تدع بالضرورة إلى التوسع فى تأويل النص القرأنى .
بساطة مجتمع الإمام مالك، وسهولة انطباق الأحكام القرآنية على علاقاته، هى التى جعلته رحمه الله يرفض القياس كثيرا، ويرفض الاجتهاد، ويكتفى بالاحتكام إلى النص القرآنى، كما هو، ثم جاء بعده الإمام أحمد ابن حنبل، من نفس المجتمع، ووصل به الاعتماد على السنة وترك الاجتهاد حتى قال: «الحديث الضعيف أحب إلىَّ من الرأى»!
أخذ ابن حنبل، أحكامه الشرعية فى المسائل المختلفة، بما قيل انه منسوب للنبى (ص)، حتى ولو أحاديث ضعيفة. رفض ابن حنبل، اللجوء إلى الرأى، أو الاجتهاد لأن مجتمع المدينة لم يرغمه على هذا، بخلاف الإمام الشافعى، الذى بدأ رحلته الفقهية من العراق، فأباح الاجتهاد، وأخذ به، ورفض الاحتكام إلى أحاديث مشكوك فى صحتها، منسوبة للنبى (ص)، ووصل به الحد إلى أن رفض أيا مما ينسب إلى النبى، قبل التأكد من وروده على لسانه (ص)، وشهر عن الإمام الشافعى قوله بالاطمئنان إلى أن حديثا واحدا هو الذى تيقن من وروده عن النبى: «من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».
فى تاريخ الفقه، عاب الإمام الليث ابن سعد، على الإمام مالك، كثيرا من اجتهاداته، نتيجة اختلاف البيئة الاجتماعية للإمامين. الإمام الليث بن سعد كان مصرياً، بينما كان المجتمع المصرى أشد تشابكا، وتعقيدا من مجتمع المدينة، حيث عاش وأفتى الإمام مالك.
وكان أن أرسل الإمام الليث، ما هو معروف فى التاريخ الإسلامى «برسائل الليث»، للإمام مالك فى المدينة، عاتبه على طريقته فى استنباط الأحكام الشرعية، وعاب عليه «طريقته فى الفتوى».
كان المسلمون الأوائل مجددين على حق ربنا . فطنوا إلى «تاريخية» الظرف الفقهى، لذلك تنوعت الاجتهادات، حسب طبيعة المجتمعات، وتطورها، لكن فيما كان شيخ الأزهر، وفى القرن الواحد والعشرين، يخطب فى البوندستاج الألمانى، عن سماحة المشايخ، ووسطية الأزهريين، واستيعابهم المتغيرات الزمانية والمكانية، كان المشايخ فى القاهرة يحبسون على الرأى، ويلبسون المجددين، بدل السجن الزرقاء، ليس لجريرة إلا لأن المجددين، مجددون، بينما مشايخ الأزهر .. كما الأستاذ الدكتور أحمد نوفل .. وسطيون! •
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف