الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
خاطر الفساد والإهمال
لاشك أن النجاح الباهر الذي حققه المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ لكي يتحول إلي واقع تطبيقي يحتاج إلي عمل جاد ودءوب ومستمر. وأن تبني مصر بعرق وسواعد أبنائها. رجالها وشبابها ونسائها. مؤمنين برسالتهم ودورهم في بنائها. وأن ديننا يدعو إلي الجد والعمل والإتقان لا البطالة ولا الكسل.
وإلي جانب العمل لابد من تهيئة المناخ العام بالتحول في ثقافة العمل والإنتاج والانضباط. ومواجهة كل ألوان الفساد والرشوة والمحسوبية. وكذلك مواجهة داء الإهمال الذي لا يقل خطورة عن داء الإرهاب. فكلاهما داء فتاك قتال. وقديماً قالوا: بيت المهمل يصيبه الخراب قبل بيت الظالم. فهذا ظالم بعتوه وتجبره وتجاوزه واعتدائه وظلمه. وذاك ظالم بإهماله وتسيبه وتقصيره في حق وطنه ونفسه وعمله.
أما الفساد فإنه داء قتال ذمه رب العزة عز وجل في كتابه العزيز فقال تعالي "إن الله لا يحب المفسدين". ويقول سبحانه وتعالي "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم". ويقول سبحانه وتعالي: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو والد الخصام وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد".
علي أن كل ألوان الرشوة والمحسوبية. وتقديم الولاء علي الكفاءة. وبخس الناس حقوقهم. وتعطيل مصالحهم. وعدم العدل بينهم. كل ذلك يعد من باب الفساد والإفساد.
أما الإهمال فهو داء فتاك قتال لا يقل خطورة عن الظلم والفساد. وإننا لفي حاجة إلي تغيير ثقافة اللامبالاة. سواء أكان ذلك بالتوعية وتحريك الوازع الديني والحس الوطني. أم بسن القوانين الرادعة وتغليظ العقوبات بما يحقق الردع لكل من يفسد في الأرض.
وقد تكون هناك مظاهر يراها البعض يسيرة لكنها في الواقع ذات بال. وقد تسبب خطراً داهماً أو حادثاً جسيماً. فترك إضاءات الطرق التي كثيراً ما نراها في وضح النهار إهمال وإهدار للطاقة التي نحن أحوج ما نكون إليها. وهي إهدار لمال المجتمع في حاجة ماسة إليه.
كما أن الإسراف في الماء وترك تطهير المجاري المائية وعدم الالتفات إليها أو الانشغال عنها إهدار للثروة المائية. وعدم الاهتمام بإصلاح أمور قد يكون إصلاحها يسيراً وخطرها جسيماً كأسلاك كهرباء غير محمية. أو بيارات للصرف الصحي غير مغطاة. أو عدم الاهتمام بما يجب القيام به تجاه مداومة الصيانة لإطارات السيارات أو فراملها. أو مرايات الجانبين أو المرآة الأمامية إذ لا تغني واحدة منها عن غيرها. أو ترك زجاج السيارة مشروخاً. أو عدم اتخاذ وسائل الأمان الكافية في الآلات والصناعات. كل ذلك قد يشكل خطراً جسيماً يمكن أن نتفاداه لو تخلصنا من التسيب والإهمال واللامبالاة.
وأشد ألوان الإهمال هو أن يغفل الإنسان عن المسئولية التي ولاه الله إليها. فتحملها أمام الله والوطن. فلم تعد المناصب القيادية والإدارية نزهة في وطن ومجتمع لا يمتلك الرفاهية لا في الوقت ولا في المال. بل إن هذه الولايات أمانة. وستكون يوم القيامة خزياً وندامة إلا من أخذها بحقها وأدي الذي عليه فيها.
ويضاعف من أثر الإهمال ما ابتلينا به من ويلات المخدرات والمسكرات التي غيبت العقول. وأنهكت الأجساد. وأورثت لونا من الضعف والهذيان واللامبالاة. فالمخدرات أم الخبائث. لأن الإنسان إذا غاب عقله أو غُيب. وأدمن هذا الداء. فإنه يبحث عن المال لشرائه بأي طريقة كانت حتي لو اعتدي علي أقرب الناس إليه لدرجة تصل في بعض الأحيان إلي القتل.
إن هذا الخطر الداهم يتطلب وقوف المجتمع كله بحسم في مواجهة لا هوادة فيها في وجه الإهمال والمهملين. والفساد والمفسدين. والرشوة والمرتشين. وتجار المخدرات من أصغر موزع إلي أكبر فاسق مورد مخاطر بعقول أبنائنا ومستقبل وطننا. علي أن تؤدي المؤسسات الدينية والثقافية والتعليمية والإعلامية دورها في ذلك علي الوجه الأكمل جنبا إلي جنب مع الجهات الأمنية والشرطية والرقابية والقضائية. وأن ندرك أن من فقد عقله صار خطراً علي النفس. وخطراً علي العرض. وخطراً علي المال. وأن الطبيب قد يضطر إلي بتر جزء أو عضو من الجسد حفاظاً علي سلامة الجسد نفسه.
فحق الوطن وحق المجتمع في أن يكون آمنا فوق كل اعتبار. علي أن هذا الأمن الذي ننشده لن يكون لطرف دون طرف. إنما هو للمجتمع كله. فلو حرص كل شخص علي توفير الأمن للمجتمع فهناك آلاف بل ملايين سيوفرون له الأمن. ولو عمل لصالح المجتمع فهناك ملايين يعملون لصالحه. ولو أهمل هو وأهمل غيره في حقه لصار الإهمال داء مدمراً للجميع. وقديماً قالوا: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به. وقالوا: افعل ما شئت كما تدين تدان. علي أن من لايعرف مصلحة نفسه ينبغي علي المجتمع أن يرده إلي عقله وصوابه. فإن الله "عز وجل" ليزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن.
ولا يقل عن ذلك كله الأداء الوظيفي الروتيني البيروقراطي الذي يشوب عمل بعض الموظفين ممن لا يدركون دقة المرحلة وخطورة الروتين والبيروقراطية علي الأداء الاقتصادي وتحقيق تقدم ملموس في مجال دفع عجلة العمل والإنتاج والاستثمار.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف