الأهرام
جمال زهران
أزمة القرار فى جزيرتى تيران وصنافير
الأمر الذى لم يعد محل شك هو أن هناك أزمة حقيقية صاحبت مفاجأة الاتفاق المصرى ـ السعودى على المستوى الحكومى، باستعادة جزيرتى «تيران وصنافير» إلى المملكة العربية السعودية، فى اطار (17) اتفاقية وخلال زيارة الملك بصحبة وفد كبير من حكومته تمثلت هذه الأزمة فى ذلك الرفض الشعبى لهذه الاتفاقية والرد على ذلك بتأكيد مصرية الجزيرتين، متهمين من فعل ويفعل ذلك بالتفريط فى مقدرات الوطن.

كما تأكد مع ذلك، موقف كثير من النخب التى تحدد رأيها فى ضوء موقف السلطة استمرارا للحصول على المكاسب، كما تم توظيف عدد ممن هم محسوبون على التيار القومى الناصرى ويرتبطون بمصالح الذين يؤكدون سعودية الجزيرتين!! وتطوع كثيرون إما مسايرة للحكومة والسعى نحو رضاها، وإما دعما للموقف السعودى.

والمؤكد فى علم صنع القرار السياسى، ولى فيه باع كبير، أن المفاجأة فى القرارات قد تكون لها أهميتها بشرط ألا تكون «تحولية» تقتضى التهيئة والتمهيد وطرح الأمر للنقاش، تفاديا للضغط الشعبى الذى هو نتاج الارادة الشعبية الذى قد يتحول بفعل الزمن والتراكم إلى حالة عدم استقرار تكون الحكومة والنظام هما المسئولان عن ذلك. وعادة ما نميز بين ثلاث مراحل للقرار، الأولى: ما قبل الإعلان، ثم مرحلة الإعلان والافصاح، ثم المرحلة الثالثة وهى التداعيات، التى قد تؤدى إلى إلغاء القرار مثلا وإعادة إنتاج الخيارات من جديد، أو تعديل القرار..الخ.

وفى حالة القرار الذى اتخذه النظام الحاكم فى مصر (رئيسا وحكومة)، فى شأن اقرار اتفاقية تقضى باستعادة السعودية لجزيرتى تيران وصنافير، اعترافا من مصر بأحقيتها فى ذلك، الأمر الذى قاد إلى رد فعل شعبى شديد الرفض، وصل إلى التراشق بالاتهامات بالتفريط فى أرض مصرية ثابتة فى وجدان الشعب ويبدو أن الأمر كان فى حسابات صناع القرار فى مصر أو صانع القرار (لا فرق) على أنه تحصيل حاصل، أى اقرار واقع، إلا أن هذا الادراك كان خاطئا فى حسابات القرار، حيث إن الثابت فى الوعى الجمعى للمصريين أن هاتين الجزيرتين ملكا لمصر وتحت سيادتها وسالت من أجلهما دماء المصريين فى حروب (1956، 1967، 1973) كما أنه ثابت فى وعى المصريين ووجدانهم أن هاتين الجزيرتين وهما تحت السيادة المصرية، كانتا رأس حربة للبحرية المصرية والجيش المصرى فى مواجهته العدو الصهيونى، وعلى خلفية ما يقال إن السعودية تركت الجزيرتين فى عهدة مصر من 1948 حيث لم تكن قادرة على حمايتهما، ففيما إذن دواعى المطالبة بهما الآن؟! هل أصبحت المملكة بالقوة التى تدافع بها عن الجزيرتين أم أنها ستستأجر قوة مصرية بالمقابل دفاعا عنها ولكن الشكل أنهما تحت سيادتها؟! هنا فالفيصل هو الثابت فى الادراك الشعبى والوعى الجمعى للشعب بأنهما تحت السيادة المصرية وملك لمصر. وأن مجرد خطابات متبادلة بين مسئولين فى اطار شبكات المصالح وتبادل المنافع والمقاعد، تخلق سيادة وتكرس ملكية، من وراء ظهر الشعب المصرى. الأمر جد خطير.

لكن الذى سيثبت فى الوعى الجمعى أن من فعل ذلك ودافع عن ذلك وسعى لإيجاد الحجج والمبررات مسايرة لما يتم ويجرى على يد حكومة وصلت إلى مرحلة «الفقر الفكرى» الذى أوصلها للعب بآخر الأوراق وأخطرها لأنها تحرق الأيادى التى توقع على ذلك و هو من يفرط أيا كانت النية السليمة والبريئة.. الخ الكلمات التى لا تسمن ولا تغنى من جوع فى هذه القضايا الحساسة.

إذن الثابت فى هذه القضية أن عناصر سلبية توافرت فى إدارة هذا القرار، هى المفاجأة وسوء الوقت وعدم الشفافية وتجاهل الرأى العام وردود فعله، والتسرع والاستعجال، والمبادرة بالدفاع عن الطرف الآخر، أكثر من الدفاع عن موقفه، فيزيد الطين بلة، وتتعقد الأمور، ويصبح خيار الاطاحة بهذه الحكومة هو أسلم الطرق وأسرعها لاستيعاب الغضب الشعبى، وتفاديا لما يمكن أن يقال مستقبلا عن هذا القرار والذى لو وافق عليه البرلمان بضغوط حكومية لن يفلت من مسمى «برلمان العار» أبو 15% من الشعب، وكل ذلك عوامل سلبية فى صناعة القرار السياسى تستدعى استدراكها بسرعة.

ولا شك أن تداعيات القرار ربما تكون كارثية، وفى مقدمة ذلك اضفاء شرعية على مطالب السودان باستعادة «حلايب وشلاتين»، وسط شد وجذب مصرى سودانى، وكذلك بعض المناطق على الحدود كانت محل نزاع بين مصر وليبيا فى الغرب المصرى ابان فترة القذافى وممتدة من أيام السادات وإلى وقت قريب!! كما أن ما حدث يعطى لما فعله مرسى الإخوان فى الوعد بـإعادة حلايب وشلاتين للسودان، شرعية، ولما كان يفكر فيه من اقتطاع مساحة من سيناء لاقامة الدولة الفلسطينية تلاحما مع غزة، شرعية أيضا كما أن تجاهل مصر لحقها الشرعى فى «أم الرشراش» (ايلات حاليا)، سيكون بمثابة التفريط، وليس فى تبريرات حكومات مبارك تحت القبة (2005 ـ 2010ـ)، على لسان د. مفيد شهاب، وقت أن أثرت هذه القضية عندما كنت نائبا، إلا تكريس للتفريط العمدى فى حقوق الشعب المصرى، فهل سيستند آنذاك إلى تبريرات حكومات مبارك بأن الأمر قد وقف عند طابا، لتكون سند العدو الصهيونى فى مواجهتنا قادما؟! والمضابط تؤكد ما أقول للتاريخ. إذن يجب الاعتراف أولا بأن القرار بشأن اتفاقية استعادة الجزيرتين قد كشف ما يعانيه الحكم وما يواجهه من أزمات تستدعى المعالجة والاستدراك، وأرى فى وقف العمل بهذه الاتفاقية المخرج الآمن لمصير غير آمن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف