مكرم محمد احمد
تحالف استراتيجى لن تفسده صنافير وتيران!
رغم ما يثيره البعض من شكوك حول صحة تسليم مصر بحق السعودية فى استعادة جزيرتى صنافير وتيران، باعتبارهما جزيرتين سعوديتين، تؤكد كل الوثائق التاريخية والجغرافية كما تؤكد الخطابات المتبادلة بين البلدين أنهما كانتا مجرد وديعتين، عهد الملك عبدالعزيز آل سعود لمصر بحراستهما عام 1950 لعدم امتلاك السعودية فى تلك الفترة التاريخية قوات بحرية تحمى الجزيرتين من عدوان إسرائيلى محتمل، برغم كل هذا اللغط الذى أثير أخيراً، تظل زيارة الملك سلمان الفريدة لمصر حدثاً تاريخياً بالغ الأهمية استمر خمسة أيام حفلت بإشارات ومعان بالغة الدلالة، أهمها زيارة الملك للأزهر الشريف اعترافاً بمكانته كمرجعية دينية وسطية تنبذ التطرف والعنف، والتقاء العاهل السعودى لأول مرة بالبطريرك تواضروس بابا الكرازة المرقسية، تأكيداً على أهمية الوحدة الوطنية المصرية ورفضاً لصراع الحضارات والأديان، فضلاً عن زيارة جامعة القاهرة التى منحت العاهل السعودى الدكتوراه الفخرية لجهوده فى تحقيق التضامن العربى وعلاقاته الوثيقة مع مصر، فضلاً عن قيام المملكة السعودية بإعادة إعمار وتجهيز مستشفى قصر العينى القديم، أقدم معهد طبى فى مصر وأكبر المستشفيات المتخصصة التى يلجأ إليها عامة الشعب المصرى.
وفى خطابه أمام البرلمان المصرى وضح بما لا يدع المجال لأى شك عزم الملك سلمان على إقامة تحالف استراتيجى مع مصر، يشكل نواة لتضامن عربى واسع يعزز فرص العمل العربى المشترك حفاظاً على مصالح العرب العليا وأمنهم القومى، ويمكن الأمة العربية من تكتيل جهودها لمحاربة الإرهاب من خلال قوة عربية مشتركة يجرى بحث تفاصيل إنشائها، ولأن مصر والسعودية كما قال الملك سلمان بلدان شقيقان مرتبطان يشكل تحالفهما المرتكز الأساسى لعلاقاتهما على كافة المستويات الإقليمية والدولية ويحقق وحدة الصف والكلمة.
والواضح أن زيارة العاهل السعودى سبقها إعداد جيد لعدد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم المتبادل، ركزت على مشروعات بعينها أهمها إنشاء جامعة الملك سلمان جنوب سيناء، والإسهام فى توسيع المدينة السكنية للبعوث الإسلامية التابعة للأزهر، وإعادة تجهيز مستشفى قصر العينى كأقدم معهد تعليمى للطب فى مصر، وتوسيع نطاق الاستثمارات السعودية التى تبلغ 6 مليارات دولار بما يرفعها إلى حدود تقرب من 25 ملياراً فى إطار شراكة مسئولة لتحقيق نهضة اقتصادية تعود على البلدين بالنفع المتكافئ، ويتوج هذه المشروعات مشروع الجسر البرى الذى يربط السعودية براً بمصر، ويحقق الربط الجغرافى بين آسيا وأفريقيا، وييسر طريق الحجاج، ويضاعف حجم التجارة البينية بين مصر والسعودية كما يخدم التجارة الدولية، فضلاً عن أنه يمكن أعداداً ضخمة من السعوديين من الوصول بسياراتهم إلى منتجعات شرم الشيخ ودهب، الأمر الذى يساعد على ازدهار السياحة المصرية وزيادة إسهام السياحة العربية التى لم تزل جد متواضعة.
وخارج نطاق المصالح الثنائية بين مصر والسعودية يشكل التحالف الوثيق بين البلدين نواة لتضامن عربى واسع يستنقذ الوضع العربى الراهن الذى يعانى من التفتت والتمزق، ويضبط إيقاع العمل العربى المشترك بما يساعد على إنهاء الخلافات العربية العربية، ويعيد لجامعة الدول العربية دورها كمنظمة إقليمية تحفظ الأمن والسلم العربيين، وتشكل إطاراً للتعاون العربى فى مجالات الاقتصاد والاجتماع والثقافة وتعزيز البنية الأساسية المشتركة، وتنمية القدرات العربية فى كافة المجالات المتخصصة بما يحفظ مصالح العرب ويوحد جهودهم فى عالم جديد يقوم على التكتلات الاقتصادية.
وثمة ما يؤكد أن التحالف المصرى السعودى يزيد من طمأنة العرب على حفظ أمن الشرق الأوسط واستقراره، ويؤكد قدرتهم على ملء أى فراغ يمكن أن ينشأ عن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة تحقيقاً لمبدأ أوباما الذى يعتقد أن مصالح الولايات المتحدة الحقيقية ترتبط الآن بآسيا بأكثر من ارتباطها بالشرق الأوسط، بعد أن قل اعتماد الغرب على البترول العربى لوفرة المعروض الذى أدى إلى هبوط أسعاره من 110 دولارات للبرميل إلى حدود 40 دولاراً ، وما من شك أن تحالف مصر والسعودية ونهوضهما بالدفاع عن أمن الشرق الأوسط واستقراره سوف يؤدى إلى ضبط علاقات العرب بالقوى الإقليمية، خاصة إيران التى تهدد أمن الخليج وتحاول توسيع نفوذها على حساب مصالح العرب وأمنهم، وتركيا التى تريد تقويض الدولة السورية كى يكبر نفوذها فى المنطقة، وإسرائيل التى لا تزال تصر على استمرار عدوانها على حقوق الشعب الفلسطينى.
وما يزيد من فرص نجاح التحالف السعودى المصرى، توافق القوى العالمية، ممثلة فى روسيا والولايات المتحدة، على ضرورة إنهاء الحرب الأهلية السورية وإيجاد تسوية سلمية للأزمة السورية تظهر ملامحها العملية الآن على أرض الواقع، ويتوقع وزير الخارجية السعودى عادل الجبير أن تتكلل بالنجاح قبل نهاية هذا العام، وكذلك الأمر مع المشكلة اليمنية، حيث قبلت كل الأطراف وقف إطلاق النار والدخول فى مرحلة تفاوض بحثاً عن حل سلمى، بما يهيئ أرضية جديدة لتضامن عربى واسع، يمكن الجامعة العربية فى عهدها الجديد من أن تنهض بالتزاماتها فى حفظ الأمن العربى، ومواجهة النزاعات العربية من خلال آلية عملية تفض أسباب النزاع أولاً بأول وتمنع تراكمها.
ولأن وقوع تحالف مصرى سعودى يشكل حدثاً تاريخياً مهماً كما يشكل بداية جديدة لعالم عربى إسلامى أكثر قوة وتضامناً، لن يسلم الأمر من محاولات قوى الخصوم تفكيك عُرى هذا التحالف منذ اليوم الأول، من خلال نشر ادعاءات كاذبة بأن قرار مصر بترسيم الحدود البحرية فى البحر الأحمر تم تحت ضغوط سعودية أدت إلى تنازل مصر عن جزيرتى تيران وصنافير فى مدخل خليج العقبة إلى السعودية لقاء الجسر البرى الجديد الذى يربط السعودية بمصر! رغم أن حقائق التاريخ والجغرافيا تؤكد أن الجزيرتين لم تكونا فى يوم من الأيام أرضاً مصرية، وليست هناك وثيقة تاريخية واحدة تؤكد عكس ذلك، لأن كافة الوثائق بما فى ذلك الوثائق المصرية تؤكد أن الجزيرتين كانتا دائماً جزءاً من الأراضى السعودية، وأن الملك عبدالعزيز طلب عام 1950 من الحكومة المصرية حماية الجزيرتين من احتمال عدوان إسرائيل، كما تؤكد كافة المراسلات بين مصر والسعودية وبين مصر وإسرائيل وبين مصر ومجلس الأمن أن الجزيرتين كانتا مجرد وديعة لدى مصر إلى أن جاءت عملية ترسيم الحدود التى تمت على امتداد الشهور الستة الأخيرة وفق تقنيات وأساليب دقيقة لتؤكد حقيقة تاريخية لم يحدث أن اختلفت عليها مصر والسعودية، لأن مصر دولة محترمة تحترم القانون الدولى ولن تتردد فى أن ترد الوديعة لأصحابها اتساقاً مع موقفها فى قضية حلايب وشلاتين، فقد كانت حلايب وشلاتين وديعة مصرية لدى حكومة السودان بخطاب من وكيل الداخلية المصرية يومها، ولم يحدث أن تنازلت مصر عن سيادتها على حلايب وشلاتين ولذلك كانت إعادة مصر للجزيرتين عملاً مشروعاً يتوافق مع القانون الدولى.
لم تحتل مصر جزيرتى تيران وصنافير رغماً عن السعودية، وإنما تمت سيطرة القوات المصرية على الجزيرتين بمباركة سعودية إنقاذاً للجزيرتين من مطامع إسرائيل، ولم تدع مصر فى أى يوم ملكيتها لأى من الجزيرتين، ولم يحدث أن نشب نزاع بين السعودية ومصر حول ملكية الجزيرتين، والتزمت مصر بواجب حراسة الجزيرتين إلى أن طلبت السعودية استرداد وديعتها، وهذا حقها الذى لا يجادل أحد فى صحته ورسوخه، خاصة أن تسليم الجزيرتين سوف يرتب مسئوليات جديدة على السعودية تتعلق بحرية الملاحة فى خليج العقبة ووجود مواقع للمراقبة الدولية تنهض بها القوات المتعددة الجنسيات.