الوطن
د. محمود خليل
السبيل (16)
كانت عبقرية فى التسلل بهدوء، والاختراق دون استئذان، وتذويب كل الحدود، تحتل جزائر النفوس دون مقاومة، كيف لا؟. وهى تقتحم أرضاً استسلم أهلها، وسلموا بأنها ليست أرضهم، بل أرض من وطئهم بأقدامه، قبل أن يطأ ترابها!.

- أمل: اسمى أمل. واسمك؟!

- مختار: مختار.

- أمل: أها.. جميل اسم مختار!.. أنا طالبة فى الجامعة الأمريكية، وأنت؟

- مختار: مدرس تاريخ. تخرجت فى كلية الآداب.

- أمل: أها!.. لم أكن أكره علماً فى دراستى، كما أكره التاريخ. لا أحب حواديت الماضى!.

- مختار: والمستقبل؟!.

- أمل: لم أعشه بعد حتى أفكر فيه!. أراك تشرد؟!.

- مختار: أريد أن أسألك، كيف واتتك الجرأة للحديث معى واقتحامى رغم أنك لا تعرفيننى؟!.

- أمل: ليس لدىّ وقت أضيعه. إننى أفعل ما أريد وقتما أريد وأينما أريد!.

- مختار: إنك إنسانة مثيرة للغاية!.

- أمل: مثيرة؟!.. من أى جانب بالضبط؟!.

- مختار: مثيرة بمعانٍ مختلفة!.

- أمل: إذن، فقد سبق لك، وعرفت غيرى؟!.

- مختار (بحسم): لا على الإطلاق. لم أدخل قبل هذه اللحظة فى التجربة!.

- أمل: ولكنك ستدخلها معى!.. قل لى يا مختار أين تسكن؟.

- مختار (بانكسار): فى السبيل!.

- أمل: آه.. ما أجمل الحياة هنا!. إننى أريد أن أتعرف على الطريقة التى يحيا بها الناس هنا. مؤكد أنها حياة شديد الإثارة.

- مختار (بسخرية): فعلاً شديدة الإثارة.. إلى درجة تثير السخرية!.. إنك لا تستطيعين أن تحددى معالم حياة البشر هنا.

- أمل: أشعر فى لهجة حديثك بنوع من النقمة عليهم؟!.

- مختار: إن مشاعرى إزاءهم محايدة.

- أمل: يبدو من لهجتك غير هذا!.

- مختار: جائز!.

- أمل: إننى أريد أن أرى معك كل مكان فى السبيل. أرى المدرسة التى تعمل بها. المنزل الذى تعيش فيه.

- مختار: وأنا أريد أن أراك أنت. إننى أشعر بأننى مسكون بك منذ رأيتك. إننى أتنفسك. يقتلنى الاحتياج إليك.

- أمل (بسخرية): آه.. وأنك لا تستطيع أن تعيش بدونى. وأنك وأنك....!.. يا مختار احتياج الإنسان للآخر مسألة وقت!.. إنك لا تحتاج إلى إنسان عمرك كله. ما أسرع ما يتسرب الملل إلى النفس!.. الحياة يا عزيزى قصيرة، فلا بد أن تكون متنوعة مليئة بالأحداث والأشخاص. كل لحظة حدث. وكل لحظة شخص. عش اللحظة تكن أسعد الناس. اسكن واقعك قبل أن تسكن خيالك!.

غريب جداً أمرها؟!.. إنها تفكر فى الحياة بطريقة عجيبة!.. طريقة لم آلفها من قبل. تريد أن تعيش اللحظة الحاضرة وفقط، دون ماض، ودون مستقبل. إننى أشعر بالرغبة فى ذلك أحياناً، لكن صور الماضى التى تحشو عقلى وصور المجهول فــى المستقبل التى ترعبنى تحنطنى مكانى. إننى أشعر فعلا بالتحنط، ولكن ماذا لو دبت الحياة فى التمثال لحظة؟.. ماذا لو دبت فيه الروح؟.. هل يستطيع أن يحيا؟.. ومن يستطيع أن يحل لغز التحنيط، ومن يمتلكون السر رحلوا. حنطونا ورحلوا!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف