الجمهورية
يسرى السيد
لحظة تمرد
عم ¢طاخا¢ يتعبد في محراب الجمهورية 62 عاما.. ومن قتل روجيني؟
يتعبد في محرابها منذ 62 عاما... يتوضأ بالأحبار.. ويصلي لله شكرا كلما صدر عدد جديد منها.... ولرائحة الأحبار عنده عبير يفوق المسك والعنبر لأنه لا يعرف غيرها ولا علاقة له بالعطور والبارفانات الباريسية... معبده شيده في بلاط صاحبة الجلالة عام 1949 بعد قدومه من إحدي قري بركة السبع في محافظة المنوفية التي ولد فيها يوم 13 مارس 1930.... ورغم خروجه علي المعاش منذ 21 عاما مازال يطوف بصاحبه الجلالة صباحا وظهرا ومساء بجسده تارة وروحه تارة اخري.... هو واحد من البنائين الأوائل لجريدة الجمهورية ومن قبلها الجازيت والبروجريه والميل وسفنكس. ومن توالي من الشقيقات: المساء وحريتي وعقيدتي والكرة والملاعب...
هو عم محمد طه محمد الشهير بـ ¢عم طه¢ أو¢ طاخا ¢ كما كان يناديه الخواجة ¢ جوخ ¢ المدير الألماني لشركه الإعلانات الشرقية التي كانت مملوكة للإنجليز ممثلة في السيدة ¢فيني¢ قبل أن تنقل أسهم ملكيتها إلي أحمد أبو الفتح وقوت القلوب الدمرداشية ثم تؤمم بعد قيام ثورة يوليو...كانت قبل الثورة دار دعاية إنجليزية متخصصة في طباعه الكتب الأجنبية بكافة اللغات....عم ¢طاخا¢ جاء يحمل في داخله وتحت إبطه 62 عاما من الذكريات بين جدران الجمهورية يذكر بفخر: ¢ جريدة الثورة وصوت الشعب.. أسسها الزعيم جمال عبد الناصر في 7 ديسمبر 1952 ¢... وإعادة الاعتبار للزعيم والجريدة تمثلت في أكثر من منحي: جمال عبدالناصر صاحب الترخيص الذي لا يذكره أحد منذ سنوات كثيرة. وتصدر المشهد أنور السادات باعتباره أول مدير لها..... والاعتبار الثاني الذي لا يقل أهمية هو عودة الجمهورية كما يقول إلي الهدف الذي أنشئت من أجله لتكون صوت الشعب وجريدة الثورة وأن تغير المسمي الآن. أقصد ثورة 25 يناير بعد أن اختطفت لسنوات طويلة لتكون صوت النظام وأبواقه...
عم طه يعود بالذاكرة إلي يوم 7 أبريل 1949 في أول يوم يدخل إلي المحراب وعمره 19 عاما ليري ويتعامل لأول مرة مع الخواجات ¢الإنجليز والألمان والطلاينة والمالطيين والهنادوة والفرنسيين واليهود¢.... لكن كله كوم والخواجة ¢جوخ ¢ كوم آخر. حين يدخل الدار يدق الجرس في كل أنحاء الدار والجدع يبقي يظهر خارج مكتبه أو بعيدا عن ماكينته.... كل المكاتب والأقسام تتحول إلي خلايا نحل. والفصل والطرد والخصم هي العقوبة حسب الخطأ الذي يصل عند جوخ إلي حد الجريمة. لم نكن نشاهد عمالاً أو موظفين في كافتريات أو يتسكعون حول مبني الجريدة أو يشربون السجائر في المكاتب أو الطرقات!!...ومع ذلك إلي جانب دفتر العقوبات كان الثواب إلي أقصي مدي!!.... إزاي ياعم ¢ طاخا ¢؟.... اسأله... يبتسم قائلا: دخلت علي الخواجة ¢جوخ¢ ذات صباح وكان يعرف مدي التزامي...وقلت له: الفلوس مش مكفيه وأنا عايز فلوس علشان الاسكولا!!..... قالي: انت عايز تروح الاسكولا....قلت: أنا في الاسكولا الابتدائي ونفسي أكمل لحد م ادخل الجامعه.... فوجئت به يوافق ويرفع مرتبي واستكملت تعليمي...
قلت له دخلت الجامعه؟!.... ابتسم اتجوزت واللي يتجوز ¢الجواز كفاية عليه¢. بس وصلت لثانوي..... وكان سبب إصراري علي التعليم إن مسيو ¢جوخ ¢ والكلام لعم طه وقف جنبي ذات مرة وانا باشتغل وقالي: - برافو ¢اجدئن شويه ¢ علشان تبقي زي.- نظرت له باستغراب. ابتسم قائلا: علي فكرة انا اشتغلت صبي ومسحت الأرض وغسلت الجزالات والماكينه من الحبر وكانت هدومي دايما مبلولة ومشحمة.
- ياه!!.....يقولها عم طه ويضيف: اتعلمت من الرجل ده حاجات كتيرة زي النظام الصارم والانتباه والمتابعة. ومن حرصي الشديد علي العمل والتقاط أي خطأ لإصلاحه فورا أطلقوا علي اسم: ¢الملقاط أو اللقاط¢.... وهو من عشاق الجمهورية.. كان يعود إليها بعد دقائق بعد أن يوقع في كشف الانصراف لأنه لا يحب أن يترك الحبيبة تعاني من الوحدة...وأول مرتب حصل عليه عم طه كان 3 جنيهات عام 1949 وكان يقبضها علي دفعتين كل 15 يوما من الخواجه اليهودي ¢ جباي ¢ مدير الخزنة وتنقل في العمل من وحدة المونوتيب ¢ الجمع الآلي ¢ ثم الجمع الفيلمي ثم مراقب الطبع في الجمهورية والمساء ومسئول الإطفاء والدفاع المدني...وللإطفاء والدفاع المدني قصة طريفة..... فلم تقف قصر القامة أمامه لتكون حائلا أمام طموحه ووطنيته.. لم يقف اهتمامه عند التعبد في محراب صاحبة الجلالة بل خرج للتعبد في محراب الوطن مثل ملايين المصريين حين يناديهم نداء الوطن.. ذهب ليتدرب في الهلال الأحمر علي الإسعافات الأولية حتي يستطيع إنقاذ أو إسعاف أي زميل داخل الجمهورية لو حدث له مكروه. وكان قبلها قد تدرب في مركز تدريب شبرا علي الأعمال الفدائية من أجل الذهاب إلي إسرائيل لتفجير الكباري وإيقاف أي طابور دبابات بتدمير أول دبابة باستخدام الديناميت والجلجانيت لتدمير المباني... وسنة النكسة عام 1967 يتذكرها دائما. ولكن يكون لها مذاق آخر حين تسأله انت اتجوزت امتي ياعم طه؟
يضحك بصوت عال قائلا: في سنة النكسة!!...وعم طه تزوج من بنت خالته وأنجب منها 3 بنات وولداً كان يعمل في جريدة مايو وبسخرية مريرة يقول:
- بعد ثورة 25 يناير جمدوه حتي يجدوا له مكاناً آخر
وحين يتحدث عن ماكينه ¢المونتيب ¢ تشعر أنه يتحدث عن الحبيبة...أصر علي التعلم عليها حين كان الأمر مقصورا علي الخواجات وبدأ بالجمع اليدوي حتي وصل إليها...يتحدث عنها بعشق. فإذا كانت لغة العشق مكونة من كلمات الغرام. فلغة المونتيب مكونة من 360 حرفا يستطيع بها بث كل رسائل الغرام أقصد صفحات الكتب والجرائد. وعينه لا تفارق كل حرف من كل كلمة أثناء رحلته... يثقب في المونتيب ثم يذهب إلي ماكينة السبك حتي يدخل مرحلة جديدة من عمليات الطباعة....و¢ النداهة ¢ الساكنة داخل الكثير من مريدي الجمهورية منعته من السفر إلي العديد من الدول العربية رغم إغراءات الريالات والدينارات التي وصلت الي 2000 ريال قطري عام 1970 ورفض السفر مثل الكثيرين....والأشخاص الذين شكلوا في ذاكرة عم طه أرقاما ومنعطفات وأحداثا ومحطات كثر.....الصاغ محسن عبد الخالق أرسلته قيادة الثورة ليرأس شركة الإعلانات الشرقية. ووقف موقفا مضادا منا حين طالبنا بزيادة في مرتباتنا من خلال علاوة سنوية قدرها 15 جنيها وكان يتزعمنا الأسطي سيد إبراهيم رئيس النقابة الذي أقام دعوي قضائية وهدده الصاغ عبدالخالق بالضرب بالرصاص إذا لم يتنازل عن القضية. وبالفعل تنازل كل من أقام القضايا إلا الأسطي سيد حتي سافر للكويت.....
وأنور السادات عند عم طه رجل نزيه ¢ شويه ¢... قالها عم طه و بحسرة.. قلت: ازاي؟
پقال: كنا نقبض من انجلترا أيام كنا تابعين للشركة الإنجليزية وكانت الملكة البريطانية تسكن علي ظهرالعملة التي نقبضها كل شهر. ثم أصبحنا نقبض من مجلس قيادة الثورة حتي جاء السادات وطلب منا أن نحاول زيادة موارد الشركة حتي نعتمد علي أنفسنا...وأذكر أن الصحفيين طالبوا بعمل لائحة مالية لهم طلب السادات لائحة للعمال ولم ينجح مسعاه ونجح عبد المنعم الصاوي وطبق اللائحة التي رفعت مرتبي من 36 جنيها إلي 90 جنيها.
وعم طه تعرض للتهديد بالفصل حين تدخل بالنصيحة حين كان يراجع أحد كتب الكاتب حلمي مراد مثل ليلة الدخلة والإتيكيت والحنة وكنت أعمل بروفه علي ¢ الرصاص ¢ ووجدته يقسم الصفحات وفوجئت ببداية فقرة في الصفحة السابقة ورفضت وكتبت بالقلم: لا يصلح هذا التقسيم.
وفوجئت بحلمي مراد والمسئولون يطلبون منا جميعا كتابه بعض الفقرات حتي يكشفوا المتجرأ؟. واضطررت إلي الكتابة بخط منعكش حتي لا يتم اكتشافي. ونجوت بأعجوبة من الخصم أو الفصل.
والحبيبة الأثيرة عند عم طه هي ماكينة ¢السوبر كاستر¢ التي كانت بمثابة مسبك كامل تخرج منه جميع أنواع الحروف وأدوات الطباعة المختلفة. وعلي فكرة كانت الأهرام تشتري منا كل أدوات الطبع والرقائق والأبناط...
هامش
¼ سؤال ساذج: لو كانت اي اجهزة تابعة للحكومة المصرية متورطة في تعذيب وقتل الباحث الايطالي روجيني.. لماذ لم تخف الجثة للابد باذابتها في برميل ماء نار او جير حي او تدفنه في اي مقبرة أو ترمي جثته في الاراضي الليبية بعد ختم جوازه بتأشيرة خروج... الخ ...من اساليب اخفاء الجريمة للابد.... المهم وضع جثته في الطريق الصحراوي بعد تعذيبه رسالة واضحة للجميع والاهداف متعددة منها ضرب العلاقات الاقتصادية والسياسية المصرية الايطالية في مقتل وروما هي المستثمر الاوربي الاول في مصر وخاصة في مجال الاكتشافات البترولية وحقل ايني الشهير نموذجا... هذا المسلسل بدأ بضرب الطائرة الروسية وضرب اسفين في اي علاقات متميزة مع مصر مع اي دولة الآن بهدف حصارمصر بعد نجاحها لحد ما في الخروج من هذا الحصار... اذا من القاتل؟.. ابحثوا عن المستفيد تصلوا الي القاتل... ويبقي اخيرا مسلسل ادارة الازمة واخذنا فيه صفر والحمد لله ربما لاسباب لا نعلمها!!
¼ وداعا سيد زيان الضاحك الباكي.
¼ الدنيا ربيع والجو بديع قفلي علي كل المواضيع... الله يرحمك يا عم صلاح جاهين
¼ اذا قدرت تفط من جواك ح تلمس السما بايدك
¼ اكسر فيس بوكك وحطم الاغلال.. جسمك هو اللي مسجون اما روحك محدش يقدر يحبسها حتي لو كان السجن عبارة عن الكون بحاله
¼ كل سنة وصاحبة الجلالة طيبة وبعافية بمناسبة احتفال نقابة الصحفيين بمرور 75 عاما علي تأسيسها!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف