نبيل فكرى
مساء الأمل .. طوق الحمامة
اللافت في أزمات الخلاف والاختلاف المصري - اي خلاف واي اختلاف - اننا نتعامل كأعداء.. كل طرف سعيد بانتصاره علي الآخر ولو في الجدال.. كل طرف ليس لديه استعداد للتنازل أو للاعتراف انه كان علي خطأ.. لا نبدو كأسرة حتي لو ادعينا ذلك. ولما لا. والأسرة ذاتها لم تعد كما كانت.. تقطعت أواصرها. وبات ما يربطها في الغالب اتصال "بالموبايل" أو رسالة علي "الواتس".
نعاني أزمة "حب" رغم اننا من علم الدنيا الحب. ورحم الله العلامة ابن حزم الاندلسي صاحب كتاب "طوق الحماقة" أول من كتب في الحب والألفة. وتلقف العالم ما كتب. وليس بالضرورة ان يكون الحب قابعاً بين رجل وامرأة. فتلك أبسط صوره وأشكاله.. هو في الشوارع والبيوت وفوق أغصان الشجر.. هو في الأرض وللأرض.. هو في ابتسامة وسلام وحوار.
الآن. انتقلت أطواق "الحمائم" إلي أعناقنا.. تشدنا ونشدها.. تخنقنا ونحاول انتزاعها. وتحت وطأة ظروف ليست جديدة علينا لكنها تزداد حدة. نبدو أقرب لأي شئ سوي ان نحب وان نسامح وان نستمع.
يبدو الجنوح الي هذا المعني ابعد ما يكون وسط هموم من المفترض ان يتطرق اليها كاتب.. يبدو لا علاقة له بأزمة تيران وصنافير. ولا مقتل ريجيني. ولا برنامج الحكومة وسخط النواب. ولا اسعار - الدولار وتهاوي الجنيه. ولا حتي نقص لبن الأطفال.
أعيدوا النظر من جديد. ولكن بحب. ستجدون جانباً كبيرا مما نعاني سببه "أزمة حب" والنية المبيتة في العداء وان أطواق الحمام انتقلت الي رقابنا نحن. وانه حتي مشاعرنا باتت سطوراً في كتاب قديم عن احلام قديمة. نضحك كلما تذكرناها مثلما تضحكون الآن علي ما أكتب.
الحب مدعاة للهدوء وللتريث وللتفكير ولقبول كثير من عيوب الآخر ان لم يكن كلها.. بالطبع ليس حاضراً في السياسة لكنه يجب ان يكون حاضراً في تفسيرها. ولا يكون ذلك بالتماس الاعذار. وإنما بالتريث والانتظار.
في أزمة تيران وصنافير كنموذج.. كل طرف يدعي الحب علي طريقته أو هو كذلك بالفعل. لكن الجموع ليست محبة لبعضها.. الشعب يحب ترابه وارضه ومن حقه ان يعرف وان يتساءل. والإعلام يحب أكثر سلعته التي يروجها. وللنشطاء مصالحهم وللمتربصين أهدافهم. وفوق كل هؤلاء رئيس اخترناه بالحب وصدقنا انه يحبنا. ولأنه من البديهي انه يحب وطنه ولا يقبل بشهادة الجميع واقرار الكل ان يفرط في حبة من ترابه. عليه ان يعمل لصالح الوطن وفق معطيات لا تتوافر إلا لديه. وربما بينها مالا يمكن البوح به وأيضاً بداعي الحب.. تري كيف نحل تلك المعضلة؟
أعتقد.. انه في السياسة هناك مدارات رسمية بإمكانها فض الاشتباك بين المحبين.. مجالس ولجان واجهزة عليا تعرف المبررات والدوافع. وأمامها بالإمكان ان تبوح بما تحجبه عن العامة. وفي مقدمتها "بيت الوطن". مجلس النواب. الذي عليه ان يقوم بدوره. بوعي وحكمة. وانتصار للإرادة والمصلحة الوطنية. وان يقدر من جانبه مايقال وما لا يقال. وحتي يحدث ذلك. علينا الانتظار.
تبدو تلك أثقل زاوية علي نفسي.. لا لشيء إلا لأن الجو العام ابعد ما يمكن عن تلك المنطقة التي ولجت اليها. والتي تصورها نفسي لنفسي حينا انها درب من هروب أو التفاف أو "الكتابة والسلام" لكنني مؤمن إيمانا كبيراً ان الوطن بحاجة الي الحب والاصطفاف.. لا تهاون في ترسيم الحدود.. لكن قبلها علينا الا نتهاون في ترسيم حدودنا.. ما لنا وما علينا.. ان نتعلم كيف نختلف. وان اختلفنا يجب ان نظل شركاء.. لا فرقاء.
* ما قبل الصباح:
* حبك الشيء .. يعمي ويصم