محمد جبريل
ع البحري .. حقيقة التاريخ
كانت السلفية ـ أو النقلية ـ التاريخية هي التي أملت أن قابيل وهابيل هما ـ فحسب ـ ابنا آدم وحواء. وأغفلت ابنا ثالث. هو "شيث". ومعني شيث هبة الله. سماه آدم وحواء بذلك. لأنهما رزقاه بعد أن قتل قابيل أخاه هابيل. وعندما احترقت روما. لم يكن نيرون يعزف علي القيثارة. لسبب بسيط: ان القيثارة لم تكن قد اخترعت بعد. فضلا عن أن نيرون. عند نشوب الحرائق. كان في فيلته الخاصة في تريوم. علي بعد خمسين ميلا من روما. ولم يغادر الفيلا الا بعد أن استحالت عاصمة الرومان رمادا. ولما حاول نيرون أن يفر من اتهام جماهير روما. بأنه أشعل النيران في مدينتهم. وغني وسط الدمار. أعاد صدي الاتهام. اتهاما مقابلا للمسيحية الناشئة. وأن أبناءها هم الذين أشعلوا النيران في المدينة الجميلة. ولأن الأقلية المسيحية كانت في موضع الريبة والشك. والرفض أيضا. فقد صدقت الجماهير كلمات الطاغية دون تدبر. واتجهت بانتقامها الي المسيحيين. وكانت الاشاعة الحاقدة هي التي دفعت العظيم سقراط الي ارتشاف الموت. ورفع الإبهام الي أعلي معناه الحفاظ علي حياة المصارع المهزوم. وخفض الابهام الي أسفل. معناه الموافقة علي الموت. بينما اشارة العفو. في الحقيقة. أن تظل قبضة اليد مقفلة. أما اشارة الموت. فهي اخراج الابهام في أي اتجاه. واذا كانت كتب التاريخ. في اتجاهها الي النقلية. قد وضعت هارون الرشيد في اطار اللهو والمجون والهنك والرنك. فان الواقع التاريخي يؤكد أن عصر ذلك الخليفة المفتري عليه كان من أزهي عصور النهضة العربية والاسلامية في أبعادها المختلفة. واتهام الحاكم بأمر الله بالجنون والتعطش الي الدماء والبشاعة والتدمير. تقابله محاولة إنصاف تاريخي موضوعي. يضع الرجل ـ في تقدير الدارس ـ في مكانته الصحيحة. وانتهي الناقد الألماني س. ف. ولف في كتابه "مقدمة هوميروس" ـ من خلال دراسة علمية واعية ـ الي أن هوميروس لم يكتب الالياذة والأوديسة. وانما تبادل النظم شعراء كثيرون علي فترات متباعدة زمنيا. والقول بأن نيوتن اكتشف قانون الجاذبية الأرضية لما شاهد تفاحة تسقط من الشجرة. تدحضه الوثائق العلمية لأكاديمية العلوم البريطانية. والتي تؤكد أن اكتشاف قانون الجاذبية الأرضية انما جاء محصلة جهد بذله نيوتن ـ لسنوات ـ مع العديد من علماء القرن السابع عشر. بالاضافة الي أنه قد تم وضع قانون الجاذبية ـ في صورته العلمية ـ عقب سلسلة من التجارب الفيزيائية. استمرت أربع سنوات. والنعامة ـ حين تلمح الخطر ـ تدفن رأسها في الرمال. بل ان بيكيت أشار الي وضع النعامة رأسها في الرمال علي لسان بطله "مورفي": "من يدري ما الذي تراه النعامة في الرمال؟". والنعامة. في الواقع. لا تفعل ذلك. والتماسيح تبكي دموعا. في حين أنها بلا غدد تفرز الدموع. والجمل يمكنه أن يستغني عن الماء بضعة أيام. لأنه يختزن الماء تحت سنامه. والصحيح أن الجمل يختزن الدهن ـ لا الماء ـ في سنامه أو سناميه. وقلة احتياجه الي الماء مبعثها ان جسمه لا يكاد يفرز عرقا. والحمامة رمز السلام والمحبة. غاية في القوة والشراسة. بل ان الحمام. مثل الأسماك. قد يأكل بعضه بعضها.
وطبيعي أنه كلما فات الزمن. تخلصت الأحداث من الزيف والشوائب والوهم. واقتربت من الحقيقة. لكن الحقيقة التاريخية يصعب أن تكون مطلقة. انها ـ بالقطع ـ ليست مسلمة رياضية.
ان ذرات الشوائب التي يسقطها غربال التاريخ. ربما تلتصق بالحدث. وتلتحم معه. وتصبح به ومعه شيئا واحدا. ويتحدد الاختيار المستحيل أمام الرؤية المنصفة: أن تروي الوقائع بعلآتها. أو أن نسقط الحدث جميعا. الحقيقة بكل قسماتها وملامحها. أن نلغيها من خربطة اهتماماتنا. مثلما أخفت فيكتوريا ملكة الانجليز ـ ذات يوم ـ هولندة من الخريطة. وقالت: هذا البلد لم يعد في العالم!..