حين تاقت نفسي لشراء عقد من اللؤلؤ.. عرفت عن اللؤلؤ وعرفت اكثر عن هذا الرجل الذي يبيعه.. ولنبدأ بالأول ولكل حجر كريم صفة.. فالزفير الأسود إما أن يهبك الحظ الوفير أو يقلب دنيتك إلي لونه.. لذلك تحذره كثير من النساء وتقدم عليه تلك المحبة للمغامرة. وللياقوتة الحمراء قدرة علي التعبير عن حب ملتهب وعاشقة الياقوت مفعمة بالحيوية وحب الحياة. أما الزمردة الخضراء فهي مزيد من الثقة بالنفس. وتبقي اللؤلؤة التي تؤثرني ربما لأنها تأتي من أعماق البحور أو لأن الاحتفاظ بها يحتاج مجهودا فهي ليست كالماس لا تصاب.. انها تفقد بريقها ان لم تعتن بها تماما كالأنثي التي تكتسب روعتها من يد تحتوي.
كنت اعيش في السعودية وكأغلب من يعملون هناك يأخذنا الأداء وننسي الاستمتاع. وفي لحظة وجدتني أريد مكافأة نفسي عن كل هذا المجهود فقررت شراء عقد من اللؤلؤ. واتجهت لأكبر الاسماء وهو "جميل الفارس". استقبلني وأسرتي بترحاب ولمعت عيناه لمجرد ذكر اسم مصر وقال كلمات عن بلدنا لا انساها.
جيل الكبار من أبناء العرب يعرف لمصر قدرها.. معظمهم تعلم هنا.. وغالبا تزوج أيضا. فكان أولاده خليطا بيننا وبينهم فأزالوا خط الحدود.
أيامنا.. الحلوة
تذكرت ما كان حين قرأت مقالا للشيخ جميل.. أعاد فيه كل ما سمعت منه من عشرات السنين.. قال في أرضنا كما يسرد محب. يخطئ من يقيم فردا أو أمة قياسا علي فترة من الزمان.. وبعض الشباب من سوء حظه لم يعش سنوات ريادة مصر. وكانت كالرجل الكبير ينفق بسخاء وبغير.. من ولا انتظار شكر.
فجامعة القاهرة وحدها علمت مليون طالب عربي أغلبهم بدون مصاريف. بل ويصرف لهم مكافآت.
ولا ننسي أن أول طريق "مسفلت" بين جدة ومكة كان هدية من مصر.. انها من كانت ترسل البعثات لتكسو الكعبة وكانت ترسل مدرسيها لتدريس اللغة العربية لكل دولة حل بها الاستعمار حتي لا تضمحل لغة القرآن.
قدمت للعالم العربي الأدب والشعر والقصة وكان لها الريادة في الصحافة والطباعة والمسرح والفنون.. وللأزهر دور في حماية الإسلام.
اسطورة.. بلد
وجاءت 1967 لينكسر المشروع القومي.. وحملت إرادة صلبة.. حمت كل عربي من أن يذوق نفس الطعم المر.. وفي قليل من عمر الزمن نقلت الجيش المنكسر إلي مليون جندي من أقوي اجناد الأرض وبعد الحرب فتحت نفقا تحت قناة السويس يحمل اسم ورمز شهيدها. انها مصر التي ان اعتلت مرض العالم ومهما مرضت لا تمت.
هذه الكلمات التي خطها الشيخ هي نفسها التي سمعتها منه شابا.. مضافا إليها ذكريات وصداقات ومواقع من خريطتنا وسط البلد والمهندسين والحسين.
كبار السعودية الذين عايشوا مصر مازالوا يذكرون لها أحياءها وأروقتها وأساتذة تعلموا علي ايديهم في جامعاتها وتربطهم صداقات مازالت قائمة.
بالفعل الكبار حين يسردون يعطون للأشياء حقها.. الحق الذي لا يدركه الشباب الآن.