«مختار» كان مخلصاً، شكلت «أمل» بالنسبة له الوطن والسكن، انساق فى حبه لها، وهو لا يدرى أنه لم يكن رجلها. لم يقف ليفكر فى هذا الأمر.. لم يكن يفهم أن الرغبة مجبنة، والحاجة مذلة، وأن من حسن الفطن ألا يحمل الإنسان نفسه فوق ما يطيق. أكثر من كان يحتار فى حال «مختار» هو «فهمى»، وأشد ما كان يحيره مسألة إخلاص «مختار»، وكثيراً ما سأل نفسه: هل «مختار» مخلص لحبه أم مخلص لنفسه؟. كثيراً ما كان يسلم أن «مختار» يحب نفسه، حتى أكثر من «أمل»، بل إن محبته لنفسه تفوق بكثير زعمه بحب فاتنته، وإلا فما الذى يدعوه إلى الوقوع فى حالة مذهلة من الهذيان؟!.
- «فهمى»: حسناً يا «مختار»! لقد تطورت كثيراً.. تتحدث مع نفسك الآن بصوت مسموع، بعد أن كنت توشوش لها. إنك الآن تكلم نفسك!.. مبروك!.
- «مختار»: «فهمى»!.
- «فهمى»: نعم يا عم «مختار» هو «فهمى» يريد أن يعرف ماذا دهاك؟!.. إنها ليست المرة الأولى وأعتقد أنها لن تكون الأخيرة التى أراك فيها على هذه الحال.
- «مختار»: أواجه مشكلة.
- «فهمى»: هى أيضاً مشكلة؟!.. إنها الحل يا ابن والدى!.. الحل لكل عقدك يا عم «مختار»!.
- «مختار»: ماذا تقصد؟!
- «فهمى»: أقصد تلك الفاتنة التى رآك «عقلة» تركب سيارتها منذ أيام!.
- «مختار» (متعجباً): ماذا تقول؟!.
- «فهمى»: ما كل هذا الاضطراب يا «مختار»؟.. إن هـذا الموضوع لا تستقيم معه فلسفة الصمت. الكلام فيه متعة. إن اختلاجات وجهك تقول إنك واقع فى حبها دون سبيل إلى القيام. وليس هذا عيباً يا «مختار»!.
- «مختار»: ولكنى أشعر أنها مختلفة عنى كثيراً!.
- «فهمى»: تقصد مختلفة فى الظروف الاقتصادية والاجتماعية؟!.
- «مختار»: ليست تلك هى المسألة، القضية فى أفكارها الغريبة!.. نظرتها إلى الحياة!.. إدارتها للحياة مسألة محيرة.. لديها جرأة شديدة وقدرة على اقتحام الآخرين. رغم أنوثتها المفرطة، أشعر أنها قوية!.. قوية للغاية!.
- «فهمى»: المسألة مفهومة يا «مختار»!.. فتش عن الفلوس!.. المال يعطى قوة. وإحساس المرأة بالمال يفوق إحساس الرجل به. سر القوة فى المال تشعر به المرأة أكثر بكثير من الرجل. فإذا أضيف الجمال إلى المال فقد اكتملت المعادلة وأصبحت القوة التقليدية قوة نووية. تردع دون أن تطلق!.
- «مختار»: أشعر أننى مأخوذ إليها. سابح فى مجالها!.
- «فهمى»: لا يا «مختار»!.. حاذر، إن هذه العينة لا تعرف الحب!.. الحب عذاب يا «مختار»!.. وهم لا يهوون العذاب! نحن فقط الذين نهواه. قيمة الشىء عندنا تتحدد فى مقدار عذابنا به.. فى مقدار ما يغرسه فينا من معانى الحزن!.. وبما أن الحب عندنا قيمة كبرى فإننا نبلغ به أسمى درجات الحزن والعذاب. أما هم يا «مختار» فيبحثون عن المتعة فى كل شىء!.. واضح أنك لا تفهمها!.. إن انغلاقك على ذاتك شوش رؤيتك لأشياء كثيرة حولنا!.. إنك تحب بمفاهيم تاريخية!.
- «مختار»: إنك تبالغ يا «فهمى»!.. «أمل» أبعد ما تكون عن هذه السفسطة!.. إنها إنسانة رقيقة وبسيطة.. وفيما يبدو أن طبيعتها هكذا.. جريئة ومتبسطة مع الآخرين.