أمانى هولة
جزر الحلم والألم.. حكايات وطن (64)
جلس المحارب العجوز أخيراً على إحدى تلك الصخور المتناثرة هنا وهناك يتأمل الطبيعة التى تمضى إلى مقاديرها بثبات ودقة وهدوء، أيام ثقيلة ما زالت مرارتها عالقة فى ذاكرة الوطن عندما كان الحلم يسابق عنان السماء ليغتاله واقع لا يأبه لرعونة لم تحترم الأسباب ولم تأخذ بها، فكانت هزيمة 67، اندلعت شرارتها من هنا على تلك الجزيرة القاحلة بعد أن أعلن جمال عبدالناصر إجلاء القوات الدولية عن تيران وصنافير، وكانت التجربة الأليمة، وشكلت لحظات الرحيل المهين من الجزيرة فى وجدان المحارب القديم رمزاً لقسوة التجربة وشؤم الذكرى، وانتكاس الكبرياء، وأطلق عام 73 زغاريد النصر، لكن حتى فى لحظات الانتصار وقد ارتمى فى أحضان الموت مراراً لتحقيقه، ظلت الجزيرة القاحلة تطارد فرحته وكأنها لعنة أيام جاحدة يهرب منها بلا فائدة،
كثرت رحلاته لأرض الفيروز ما بين العمل والتواصل مع الأحباب ورفقاء العهد والواجب، وبعد سنوات الجفوة تحدى الماضى بآلامه، وكانت المرة الأولى التى تطأ فيها قدماه تلك الجزيرة الحزينة لمح المستقبل يسطع فى الأفق، طموحات حقيقية وأمانٍ ممكنة.
■ طريق برى منتظم يربط بين جسد مزقوه كثيراً لكن ما زال للنبض عروق.
■ مناطق لوجستية وخدمية وصناعية وشبكة طرق تنشأ هنا وهناك لتضىء أرض الأنبياء.
■ بوابة للسيطرة على خليج العقبة بعيداً عن معاهدة تنزع من أيادى أبطال الوطن الرمح والسيف قبلناها على مضض بمنطق (نصف العمى).
■ معادلة تعتدل فيها موازين القوى بعد أن طبت كفة الغش كما يحدث دائماً فى اختبارات الحياة بحيل لا أخلاقية مارسها الأعداء بالخارج يساندهم أعداء أكثر منهم حقارة بالداخل، فالغرباء عن الوطن أعداء عندنا أبطال عند أقوامهم، لكن ما أقسى أعداء الوطن من أبنائه، إنهم خونة الداخل الذين لا يستحقون سوى عقاب نابليون عندما رفض مصافحة أحد قواد جنود العدو الذى منحه مفاتيح بلاده واكتفى بإلقاء ما وعده من مال على الأرض، حيث يجب أن يظل محنى الهامة والظهر، بينما يظل نبل خصومتنا وشم قلوبنا فادح الثمن، نباهى به العالم.
■ بوابة شرقية لخيرات القارة السمراء التى طالما بارت بضاعتها لقلة الحيلة وضعف الحال وبخس أصحاب المال، ليقل الإهدار وتكاليف الترحال.
■ أما القيمة التى ليس لها مثيل فهى نشر الجيش الذى لا يهزم ولا يباد ولا ينام ولا يتأخر عن ميعاد، لا يطلب إجازة ولا علاوات.
إنه البشر بقوة الوجود الكفيلة بقطع دابر خفافيش الإرهاب من كل بقاع أرض الرسالات، وقد خلف كثيراً قطار التنمية مواعيده ولكن دقت صافرة البداية وبدأ التحرك للأمام، تزعج المحارب العجوز همهمات الصغار، والكبار الذين أسلموا عقولهم للصغار، وتكثر الحجج وتتعالى المبررات، فتارة يتباكى المتباكون على الحياة البرية والأحياء المائية، رغم أن حجم الإنشاءات لا يمثل نسبة ضئيلة مما حبانا الله به من هبات، وتارة يشككون فى جدوى يدركها الجاهل قبل الخبير، ليأتى دور مسمار جحا وينخدع به البسطاء، وتظل هوية جزيرتين صخريتين قاحلتين لا زرع فيهما ولا ماء، كانتا أمانة فى عهدتنا كما أثبتت الوثائق، مسار جدل وإفتاء ويصبح الجميع بين ليلة وضحاها خبراء فى التاريخ والجغرافيا والأحياء، و(كلمة أبرك من ألف) كما لا نقبل أن نفرط فى شبر أرض وعرض، لا نقبل أن نطمع فى حق إخوة الدم، يغضب المحارب العجوز، يزأر حنقاً من رخص بضاعة من يتاجرون بدماء الشهداء، يود أن يلطمهم وهو يرى الرمال الجرداء حزينة مهملة من عهد الفساد، من أنتم حتى تتكلموا عن الشهداء، أنا دفنت رفاقى هنا على وعد أن تنبت زهرة يوماً أمل وحياة، وقد حان الوقت من أجلهم قبلنا.. فطوبى للشهداء.